من انتفاء دليل معيّن انتفاء المدلول ، وقد سبق أكثر الأدلّة.
واحتجّ آخرون على قبول إجماع العدد الكثير بأنّهم أجمعوا على القطع بتخطئة المخالف ، والعادة تحيل اجتماع هذا العدد الكثير من العلماء المحقّقين على قطع في شرعي من غير قاطع ، فوجب تقدير نصّ فيه بخلاف اجتماع اليهود والفلاسفة.
لا يقال : إنّه إثبات الإجماع بالإجماع أو إثبات الإجماع بنص يتوقّف عليه.
لأنّا نقول : الّذي يثبت به كون الإجماع مطلقا حجّة إنّما هو ثبوت نص دالّ عليه ، وثبوت ذلك النصّ مستفاد من وجود صورة من صور الإجماع مطلقا وهو الإجماع الثاني ، وإنّما كان هذا الإجماع مقيدا لوجود النص للعادة على ما قلناه ، ووجود تلك الصورة ـ أعني : الإجماع الثاني ـ ودلالتها على ثبوت ذلك النص لا يتوقّفان على كون الإجماع مطلقا حجّة ، فلا دور.
أمّا عدم توقّف وجود تلك الصورة عليه فلأنّ وجدانها مستفاد من التواتر لا من كون الإجماع حجّة.
وأمّا عدم توقّف دلالتها ، فلأنّ دلالتها مستفادة من العادة وهو مبني على اشتراط عدد التواتر ، وسيأتي.
إذا تقرّر هذا فنقول : لا يشترط في الإجماع اتّفاق أمّة الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى يوم القيامة ، لأنّ الدليل على الإجماع دليل على الاستدلال به ، وذلك الاستدلال لا يصحّ بعد يوم القيامة إجماعا لانقطاع التكليف ، ولا قبله لجواز حصول آخرين. (١)
__________________
(١) وهو قول الرازي في المحصول : ٢ / ٩١ ، القسم الخامس.