العلم ، لأنّه لو تولّد عنه العلم لتولّد في غير محلّه ، وهو محال. (١)
وللأشاعرة دليل آخر ، وهو امتناع موجد غير الله تعالى ، وقد أبطلناه في كتبنا الكلامية. (٢)
__________________
(١) لقد أورد الآمدي هذا البحث في الإحكام : ٢ / ٣٥ ، المسألة ٣ ، فراجع.
(٢) حاصل الكلام في المقام : أنّ التوحيد في الخالقية هو من مراتب التوحيد ، يقول سبحانه : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد : ١٦) وليس الوحي وحده يقول به ، بل العقل أيضا يؤكّده بالبرهان ، لأنّ ما سوى الله ممكن محتاج لا يملك لنفسه شيئا ، وإنّما ترتفع حاجته بإفاضة الوجود من الخالق الغني عن كل شيء. والله سبحانه هو الّذي خلق الشمس والقمر وجعل الأولى ضياء والثاني منيرا ، فالخالقية بمعنى الاستقلال في الخلق والإيجاد من دون اعتماد على غيره مختصة بالله سبحانه.
وهذا لا يعني نفي أصل السببية والعلّية في عالم الوجود إذا قلنا بأنّ تأثير كلّ ظاهرة مادية في مثلها منوط بإذن الله وكان وجود السبب وسببيته كلاهما من مظاهر المشيئة الإلهية.
فالقرآن مع أنّه يعترف بالتوحيد في الخالقية يعترف بقانون العلّية ونظام السببية بين الممكنات ، كما قال الله تعالى : (يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) (الروم : ٤٨) ، فالآية تصرح بتأثير الرياح في تحريك السحاب وسوقه.
فلو قلنا بوجود الخالقية في نظام العلل والمعاليل فإنّما هي خالقية ظلية وتأثير بإذن الله سبحانه على نحو يكون الكون بأجمعه من جنوده سبحانه والقائد هو الله سبحانه.
وممّا يؤيد ذلك أنّ الله ينسب الخلق إلى المسيح عليهالسلام ويقول : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) (المائدة : ١١٠) ، فالمسيح هو خالق صورة الطير بإذن الله سبحانه ولا يكون هناك أي منافاة بين حصر الخالقية الأصيلة بالله سبحانه والقول بالخالقية الظلية المأذونة المحدودة في المسيح عليهالسلام.
بل الله سبحانه يصف المسيح بأنّه المبرئ للأكمه والأبرص لكن بإذن الله ويقول : (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي).
فعلى الباحث أن يبيّن مراحل التوحيد على نحو لا يخالف الكتاب والعقل الحصيف والنتائج القطعية للعلوم. السبحاني.