تعديلا ، فإنّ العدل قد يروي عمّن لو سئل عنه لتوقّف فيه ، أو جرحه. ولو عدله لم يصر عدلا ، لجواز أن يخفى عنه حاله فلا يعرفه بفسق ، ولو عيّنه لعرفنا فسقه الّذي لم يطّلع عليه المعدّل.
وأمّا الثانية ، فلأنّ قبول روايته [يقتضي] وضع شرع عامّ في حقّ كلّ المكلّفين من غير رضاهم ، وذلك ضرر ، والضرر على خلاف الدليل ، ترك العمل به فيما إذا علمت عدالة الراوي ، فيبقى في الباقي على الأصل.
فإن قيل (١) : لا نزاع في جواز أن يروي عن غير العدل لكن روايته عن العدل أرجح ؛ لأنّ الفرع مع عدالته لا يستجيز أن يخبر عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلّا وله الإخبار بذلك ، وليس له ذلك إلّا مع علمه ، أو ظنّه أنّه قول الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ لو استوى الطرفان حرم الإخبار ، وإنّما يحصل العلم والظن بأنّه قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لو علم عدالة الأصل.
ولأنّ الفرع مع عدالته ليس له أن يوجب شيئا على غيره أو يطرحه إلّا إذا علم أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أوجب ذلك أو ظنه ، وهذا يقتضي عدالة الأصل ، فوجب قبول روايته.
والجواب : لا شك في أنّ للعدل أن يروي عن العدل وغيره ، ولا منافاة بين عدالته وروايته عن غير العدل ، فتكون روايته عنهما ممكنة ، ولا يترجّح أحد الطرفين إلّا بمرجّح منفصل ، وقول الفرع : قال الرسول يقتضي الجزم بأنّه مسند إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والجزم بالشيء مع تجويز نقيضه كذب ، وهو
__________________
(١) القائل هو الرازي في المحصول : ٢ / ٢٢٤.