ولأنّ الحكم الذى هو الأصل محتاج إلى محلّه ، فكان محلّ الحكم أصلا للأصل ، فجاز أن يسمّى أصلا كما قال الفقهاء ، لكن تسمية العلّة في الفرع أصلا أولى من تسمية محل الحكم في الأصل الّذي هو محلّ الوفاق أصلا ، لأنّ العلّة مؤثّرة في الحكم ، والمحلّ غير مؤثّر في الحكم ، فجعل علّة الحكم أصلا له أولى من جعل محل الحكم أصلا له ، لأنّ التعلّق الأول أقوى من الثاني.
وفيه نظر ، فإنّ مطلق العلّة ليس هو المؤثّر ، بل العلّة المؤثّرة ومطلق العلّة شامل للمحل ، لأنّه علّة قابلة ، كما أنّ المؤثر علّة فاعلة.
واعلم أنّ الأصل ما يبنى عليه غيره ، كقولنا : معرفة الله تعالى أصل في معرفة الرسالة ، من حيث إنّ معرفة الرسول تبنى على معرفة المرسل.
ويقال أيضا : لمّا عرف بنفسه من غير افتقار إلى غيره ، كما نقول في تحريم الخمر أنّه أصل ، لأنّه لا يفتقر إلى غيره.
فحينئذ حصل الخلاف في الأصل ما هو؟ هل هو النصّ ، أو الخمر ، أو الحكم الثابت في الخمر وهو التحريم مع الاتّفاق على أنّ العلة في الخمر وهي الشدّة المطربة ليست هي الأصل؟ (١).
فعند المتكلّمين أنّه النّص الدالّ على تحريم الخمر كما تقدّم ، لأنّه الّذي يبنى التحريم عليه.
وعند الفقهاء : الخمر ، لأنّ الأصل ما كان حكم الفرع مردودا إليه
__________________
(١) راجع الإحكام : ٣ / ٢١٠.