ويضعف قول المتكلّمين (١) من هذا الوجه ، لأنّا لو قدّرنا علمنا بحرمة الخمر بالضرورة أو بالعقل أمكننا تفريع حكم النبيذ عليه ، ولو قدّرنا أنّ النصّ لم يدل على الحرمة في صورة خاصة لم يمكن أن نفرّع عليه حكم النبيذ تفريعا قياسيا ، وان أمكن تفريعا نصّيّا. وإذا كان كذلك لم يكن النصّ أصلا للقياس ، بل لحكم محل الوفاق ، فبقي أن يكون هو الحكم الثابت في محل الوفاق ، أو علّة ذلك الحكم.
إذا عرفت هذا فنقول : الحكم أصل في محل الوفاق فرع في محل الخلاف ، والعلة فرع في محل الوفاق أصل في محل الخلاف. فإنّا ما لم نعلم ثبوت الحكم في محلّ الوفاق لا نطلب علّته ، وقد يعلم ذلك الحكم ولا يطلب علّته أصلا ، فلمّا توقّف إثبات علّة الحكم في الوفاق على إثبات ذلك الحكم ، ولم يتوقّف إثبات الحكم على إثبات علّته ، كانت العلّة فرعا على الحكم في محل الوفاق ، والحكم أصلا فيه.
وأمّا في محلّ الخلاف فما لم نعلم حصول العلّة فيه ، لا يمكننا إثبات الحكم فيه ولا ينعكس ، فكانت العلة أصلا في محلّ الخلاف والحكم فرعا فيه.
ولا يخلو قول الفريقين من وجه ، لأنّه ثبت أنّ الحكم الحاصل في محل الوفاق أصل ، وثبت أنّ النص أصل لذلك الحكم ، فالنص أصل أصل الحكم المطلوب ، وأصل الأصل أصل ، فجاز تسمية النص بالأصل. كما قال المتكلّمون.
__________________
(١) وهو قول الرازي في المحصول : ٢ / ٢٤٢.