السابع والعشرون : لا بدّ في القياس من علّة جامعة ، والعلل الشرعية لا بد وأن تكون على وزان العلل العقلية ، لكن العلل الشرعية عند القائلين بالقياس يجوز أن تكون ذات أوصاف ، والعلّة النقلية ليست كذلك ، فإنّها تستقل بحكمها كاستقلال الحركة بكون المحلّ الّذي قامت به متحركا ، واستقلال السّواد بكون محلّه أسود ونحوه.
والاعتراض (١) على الأوّل بأنّ غالب أحكام الشرع معلّل برعاية المصالح المعلومة ، والصور الّتي ذكرتموها لبيان خلاف ذلك محصورة قليلة نادرة بالنسبة إلى عادة الشرع ، فلا يقدح في الغالب ، كما أنّ الغيم الرطب يظن وقوع المطر عنده ، وإن كان في بعض الأحيان يتخلّف عنه ولا يقدح ذلك في الظن. كذا هنا إذا ظنّ الجامع بين الأصل والفرع وظهرت صلاحية التعليل ، فالعقل لا يمنع من ورود التعبد فيه بالإلحاق ، وحيث فرّق الشارع في الصور المذكورة ، لم يكن ذلك لاستحالة ورود التعبّد بالقياس ، بل إنّما كان لعدم صلاحية ما وقع جامعا ، أو لمعارض في الأصل أو الفرع ، وحيث جمع بين مختلفات الصفات إنّما كان لاشتراكها في معنى جامع صالح للتعليل ، أو لاختصاص كلّ صورة بعلّة صالحة للتعليل ، فإنّه لا مانع عند اختلاف الصور وإن اتّحد نوع الحكم أن تعلّل بمختلفات ، لأنّ الحكم يثبت في الكلّ بالقياس.
وعلى هذا نقول : ما لم يظهر تعليله وصحّة القياس عليه إمّا لعدم
__________________
(١) ذكرها الآمدي في الإحكام : ٤ / ١٩ ـ ٢٦.