وإن كان نصّا استحق مخالفة العقاب العظيم ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها)(١) ، ولم يكن كلّ واحد من المختلفين يعتقد كون صاحبه يستحق العقاب العظيم بسبب المخالفة.
وما ليس بنصّ ولا قياس باطل ، لأنّ كلّ من قال : إنّهم لم يتمسّكوا في مذاهبهم بالنصوص الجليّة ولا الخفيّة ولا البراءة الأصلية قال : إنّهم تمسّكوا بالقياس ، فلو أثبتنا غيره لزم خرق الإجماع.
وفيه نظر ، لأنّك إذا ادّعيت الإجماع على الإفتاء بالعمل بالقياس أو باستنادهم إليه كان مكابرة ، ولو سلّم فلا نسلّم أنّ إجماع الكلّ عليه لإنكار كثير منهم ، بل الّذي يمكن ادّعاؤه إجماع طائفة منهم ، وهو ليس حجّة لما عرف من أنّ الأشهر أنّ حال الصحابة كحال غيرهم في وجوب البحث عنهم ، بل قد طعن جماهير المعتزلة في عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام بقتالهم عليا عليهالسلام ، وقال قوم من سلف القدرية : يجب رد شهادة عائشة وطلحة والزبير مجتمعين ومفترقين ، لأنّ فيهم فاسقا لا نعرفه بعينه ، وقال قوم : نقبل شهادة كلّ واحد إذا انفرد ، لأنّه لم يتعيّن فسقه ، ويرد إذا كان مع مخالفه للعلم بأنّ أحدهما فاسق ، وشكّ بعضهم في فسق عثمان وقتلته (٢). (٣)
__________________
(١) النساء : ١٤.
(٢) في «ب» : قبيلته.
(٣) راجع المستصفى : ١٣٠.