اعترض (١) : بجواز وجوبه بقرآن نسخت تلاوته ، أو أنّ نسخه بالسنّة أيضا ، ولا يلزم من ثبوت التوجّه إلى الكعبة بالكتاب أن يكون التحويل عن بيت المقدس بالكتاب ، لأنّ الظاهر أنّه حوّل عن بيت المقدس ، ثمّ أمر بالتوجّه إلى الكعبة ، ولهذا كان تقلّب وجهه في السّماء ، لانتظار ما يؤمر بعد التحويل.
وأجيب (٢) بأنّ تجويز ذلك يسدّ باب إثبات النسخ بشيء من الأدلّة لشيء منها ، إذ ما من ناسخ إلّا ويجوز فيه أن يكون النسخ تقدّمه بدليل آخر ، وما من دليل منسوخ إلّا ويكون المنسوخ دليلا غيره يوافقه في حكمه.
وإنّما حكمنا بالنسخ في الآيات الّتي اعتقدنا النسخ فيها ، للصلاحيّة والاقتران ، لأنّها طريق صالح للارتفاع ، وقد قارنها الارتفاع ، فيسند إليها.
وفيه نظر : لأنّ الطرق الدالة على معرفة الناسخ والمنسوخ إذا وجدت في شيء ، حكمنا بثبوتهما فيه ، ولا ينسدّ الباب ، وأمّا المنسوخ فإنّه متى وجد ما ينافيه من الأدلّة ، حكم بأنّه منسوخ وإن استند الحكم إلى غيره.
الثالث : قوله تعالى : (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ)(٣) نسخ لتحريم المباشرة بالليل على الصائم في ابتداء الإسلام ، وقد كان ثابتا بالسنّة.
__________________
(١) المعترض هو الرازي في محصوله : ١ / ٥٥٤.
(٢) المجيب هو الآمدي في الإحكام : ٣ / ١٠٣.
(٣) البقرة : ١٨٧.