فالأوّل إن كان مطلقا ، لم يكن مفيدا للحكم الموقّت إلى غاية ، وإن كان مقيّدا إلى غاية فذلك الإجماع ينتهى عند حصول تلك الغاية بنفسه ، فلا يكون الإجماع المتأخّر رافعا له.
وأمّا الثالث ، فلأنّه إنّما يتصوّر لو اقتضى القياس حكما ، ثمّ أجمعوا على خلافه فحينئذ يزول حكم ذلك القياس بعد ثبوته ، لتراخي الإجماع عنه ، وهو محال ، لأنّ شرط صحّة القياس عدم الإجماع ، فإذا وجد فقد زال شرط صحّة القياس ، وزوال الحكم لزوال شرطه لا يكون نسخا. (١)
وفيه نظر ، لأنّا إذا كنّا متعبّدين بالقياس ثمّ دلّ على شيء ، وجب علينا العمل به ، وتجدّد الإجماع ليس بمحال ، فإذا تجدّد ارتفع حكم القياس ، وهو معنى النسخ.
ولو كان كون عدم ظهور الإجماع شرطا في القياس مانعا من النسخ ، لكان كلّ دليل كذلك ، إذ كلّ دليل مشروط بانتفاء معارض متجدّد ، فظهور الناسخ مزيل لشرط الدليل الأوّل ، فيزول لزوال شرطه من غير نسخ.
احتجوا : بأنّ الإجماع دليل قطعيّ فجاز النسخ به كالقرآن والسنّة المتواترة.
وبأنّ ابن عباس رضى الله عنه لما قال لعثمان : كيف تحجب الأمّ عن الثلث بالأخوين ، والله تعالى يقول (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(٢)
__________________
(١) الاستدلال للرازي في محصوله : ١ / ٥٦١.
(٢) النساء : ١١.