مال قلبك إلى أن يعتقد (١) أهل العالم وتحكم عليهم فقد صرت كالخائف الوجل من أن تقدم على أن ينفر كل واحد منهم عن الانقياد لك وتخرجه عن ربقك (٢) ، والمشتغلين بخدمتك ، وذلك يوجب أن تكون أبدا دائم التفحص عن أحوالهم ، دائم البحث عن مراداتهم ومكروهاتهم حتى تكون مواظبا على مراداتهم ، فقد صرت كالعبد الاسير لكل واحد من اولئك المريدين ، ولو أخبرت بأن واحدا منهم رجع عن إرادتك وأعرض عن مبايعتك لتألم قلبك وتشوش فكرك.
فثبت أن من جعل نفسه شيخا لطائفة فهو فى الحقيقة صار كالعبد القن لكل واحد منهم ، لا يلتذ إلا بالإقبال عليهم ، ولا يغتم إلا باعراضهم وأما أولئك المريدون (٣) فإن كل واحد منهم ليس إلا فى قيد ذلك الرجل الواحد ، فهذا المريد ليس إلا عبدا لرجل وأما ذاك المراد فهو عبد لكل واحد من أولئك المريدين ، فهكذا (٤) صاحب الجاه حاول ملك القلوب وهو فى الحقيقة بلغ فى المملوكية إلى أقصى الغايات وفى العبودية إلى أبلغ النهايات.
التاسع أن صاحب الجاه لا ينقذ حاله عن أحد أمرين ، إما فى التزين للخلق واستخراج الطرق الجالبة لقلوبهم إليه ، وإما فى رفع الأمور التى تنقص تأثير الجلالة عليه.
إذا عرفت هذا ، فنقول : أما الطرق الموجبة لحب الجاه فليست
__________________
(١) المخطوطة : يفتقد
(٢) أيضا : وتخرجه عريص والمشتغلين الخ
(٣) أيضا : المريدين
(٤) أيضا : فها كذا