واما القسم الثالث وهو أن يفترى عليك بما أنت بريء (٥ منه عند الله ، فيجب أن لا تكره ذلك. ولا تشتغل بذمه ، بل تتفكر فى ثلاثة :
الاول انك إن خلوت من ذلك العيب فما خلوت عن كل العيوب ، فاشكر الله تعالى إذ لم يطلعه على عيوبك كلها الموجودة فيك وشغله بذكر ما انت بريء عنه.
الثانى ان سماع ذلك الكلام يوجب النفرة الشديدة عن مخالطة الخلق ، ومن اعرض عن الخلق فقد توجه إلى خدمة الخلق لا محالة لأن الانسان يمتنع أن يبقى معطلا ، بل خلق فعالا بالطبع ، فالذم يدعوك من الخلق إلى الحق ، والمدح يدعوك من الحق إلى الخلق ، فما أعظم التفاوت!
الثالث ان ذلك القائل قد صارت نفسه ملوثة برذيلة الكذب مع أن الله طهرك منها ، فليكن شكرك وفرحك بهذه السلامة مذهلا لك عن الحزن بسبب ذلك الذم ،
الرابع انك ان اعتقدت ان ذلك الفعل منه فقط فإنك مشرك ، وإن عرفت أنه بقضاء الله وقدره وهو باطل أو منه وهو (١) عاجز معذور.
الخامس كما انه أدخل الغم فى قلبك فصار قلبك معرضا عن الخلق متوجها إلى الخلق ، فكأنه خرب (الورقة ٢٨٩ و) دنياك وعمر دينك ، وأما ذلك القائل فقد خرب (٦ دين نفسه بسبب ذلك القول فيجب عليك بحكم الكرم أن تسعى فى عمارة دينه ، ولهذا قال
__________________
(١) المخطوطة : اللفظ غير واضح