ولا نهاية للخوض على تحصيل هذين المطلوبين ، لكنه يمتنع أن يحصل للإنسان علوم لا نهاية لها وقدرة على مقدورات لا نهاية لها. بل العلوم الحاصلة للأرواح البشرية وإن كثرت فهى متناهية ، والقدرة على الموجودات الهيولانية وإن كثرت فهى متناهية ، لا جرم لا تنتهى النفس الإنسانية فى العلم والقدرة إلى درجة إلا وكان الحاصل منها أمورا (١) غير متناهية ، لا جرم امتنع خلو جوهر النفس عن الحرص والطلب ، فحرص الإنسان على طلب المال ليس إلا انه يريد تحصيل القدرة على الجمادات ، وحرصه على طلب الجاه ، ليس إلا انه يريد تحصيل القدرة على أرواح العقلاء ، وحرصه على منازعة الأشكال ، ومصارعة الأبطال ليس إلا انه يريد أن يكون قادرا ويكره أن يكون (٢) مقدورا (٣) ، كل ذلك راجع إلى أصل القدرة التى هى صفة الكمال.
ولو أن الإنسان صار نافذ الحكم على بلدة واحدة دعته نفسه إلى أن يصير نافذ الحكم فى الإقليم ، ولو وجد ذلك دعته نفسه إلى أن يصير نافذ الحكم فى الأقاليم والبحار والجبال ، بل ربما دعته نفسه إلى التعلق بأجرام الأفلاك والكواكب ، بل قد لا يقصد ذلك لعلة تتعذر هذه القدرة عليه ، فامتناع الإنسان عن هذا الطلب يكون لقيام المانع لا لعدم المقتضى.
__________________
(١) المخطوطة : امور
(٢) أيضا : تكون
(٣) أيضا : مقدورات