ثم هاهنا دقيقة أخرى ، وهى أن الإنسان قبل وجدان لذة القدرة والمملكة لا يكون عظيم الرغبة فى تحصيل هذه الحالة ، فإذا ذاقها والفها ازداد تشوقه إلى تحصيلها ورغبته فى الوصول إليها والازدياد منها ، لأن مثاله فى هذا الحب مثال الذوق ، مثاله من سمع اسم امرأة جميلة فعشقها بمجرد سماع الاسم وما رآها ، ثم إذا ذاق لذة النفاذ والمملكة كان أحب امرأة على أنه رءاها وارتضاها والتذ بمخالطتها ، فأما تلك المخالطة مما تقوى العشق فى جوهر الروح ويزيد العاشق حرصا على المخالطة ، فكذلك هاهنا كلما كان وصوله إلى المراتب العالية فى الدولة والمملكة أكثر كان حرصه على الازدياد منها أقوى وأكمل ، فثبت بما ذكرنا انه لا نهاية لحرص الإنسان على طلب العلم وعلى طلب القدرة ، وثبت ان جملة العالم الجسمانى (١) متناهية ، فلو قدرنا إنسانا واحدا استولى عليه بكليته لكان الحاصل عنده مملكة متناهية.
وقد بينا أنه يطلب قدرة غير متناهية ، فثبت أن الإنسان الواحد لو قدر على كل العالم الجسمانى لم يسكن عن طلب الازدياد ، ولو حصل عند الإنسان علم بجميع ما دخل فى الوجود لكان حرصه على طلب العلم باقيا ، لما بيناه ان الحاصل عنده من مراتب القدرة والعلم (مقدور متناه) (٢) ويكون الغائب عنه مقدورا (٣) غير
__________________
(١) المخطوطة : الجسمانية
(٢) أيضا : بياض طويل ، وعلى الهامش : «متفاوتا متناهيا»
(٣) أيضا : مقدور