، والمراد بالجمع في كلام الجماعة الجمع الدلالي دون العملي ، فمع عدم إمكان الأول يرجع إلى سائر قواعد التعارض من التخيير والترجيح .. ونحو ذلك ، وإن أمكن الجمع العملي ، وذلك لأنّ محل كلامهم تعارض أدلّة الأحكام ، والجمع العملي فيها خلاف الإجماع كما سيأتي ، مع أنّه موجب للهرج والمرج ، مضافا إلى أنّ ظاهر كلام صاحب الغوالي ذلك ، حيث قال (١) : يجب البحث عن معناهما ، وكيفيّة دلالة ألفاظهما ، هذا (٢) مع إنّ المعلوم أنّ غرضهم من هذه القاعدة أنّه إذا أمكن رفع التنافي بين الخبرين بحيث يخرجا (٣) عن التعارض وجب ذلك ، ويكون مقدما على التخيير والترجيح ، والجمع العملي ليس دافعا للتنافي كما هو واضح ، فلا ينبغي التأمّل في أنّ مرادهم من الجمع في هذه القضيّة خصوص الجمع الدلالي لا العملي ، ولا الأعم منهما.
هذا مضافا إلى أنّ ظاهر أدلّتهم أيضا ذلك ، كما لا يخفى على من لاحظها ، فظهر تطابق جميع مشخصات محلّ النزاع فيما ذكرنا ، فإنّ تشخيصه إمّا بالعنوان ، وهو في المقام ظاهر فيما قلنا ، وإمّا بالأدلة أيضا ، وهي دالّة كذلك ، وإمّا بالثمرات وهي أيضا دالّة على ذلك ، لما عرفت من أنّ الغرض بيان أنّ إجراء قواعد التعارض إنّما هو بعد عدم امكان رفع التنافي بالحمل والتأويل في الدلالات ، نعم ذكر الشهيد الثاني من فروع القاعدة الجمع بين البينين بالتبعيض ، وهو جمع عملي ، لكن يمكن أن يكون غرضه جريان مناط القاعدة فيها لا نفسها.
وكيف كان فالمراد ما ذكرنا ، وإن كان مع قطع النظر عمّا ذكرنا يمكن إرادة الأعم من الأمرين بأن يكون المراد أعم من الدليلين في الأحكام والأمارتين في الموضوعات ، ويكون المراد أنّه إذا أمكن العمل بالدليلين (٤) والأمارتين سواء كان بالتصرف فيهما بإرجاع أحدهما إلى الآخر أو كليهما إلى ثالث ، أو مع إبقاء كل منهما على ظاهره ، أو نصوصيّته ، والعمل بهما في الجملة ؛ وجب وقدّم على الطرح ،
__________________
(١) عوالي اللئالي : ٤ / ١٣٦.
(٢) لا توجد هذه الكلمة في نسخة (ب) ؛ وكتب محلها : الخ.
(٣) في النسخة : خرجا.
(٤) من قوله «بأن يكون ـ إلى قوله ـ بالدليلين» لا يوجد في نسخة (ب).