الثلاثة الأخيرة ، فما يظهر من بعض من أنّ المراد هو الإمكان العقلي وأنّه متّحد مع العرفي إذا كان المراد الجمع الدلالي دون العملي ، لأنّه لا بدّ أن يكون على وجه يستكشف من المراد ، ولا يمكن ذلك إلا إذا كان هناك شاهد من عقل أو عرف يكون قرينة على الجمع ، وإلا فلا يعقل الجمع إذا كانا متساويين في الظهور ، ولم يكن قرينة ، إذ ليس المدار على الاقتراح والتشهي في التأويل ، ولا كان جمعا عمليّا ولا دلاليا (١) ، فيه ما لا يخفى.
إذ مع التعارض وعدم القرينة يمكن عقلا الحمل على التأويل البعيد إذا كان متحدا ، بل وعلى أحد التأويلات المتعددة ، مع عدم مساعدة العرف والقرينة ، إلا أنّه لا يجوز شرعا لعدم الدليل ، ولو فرض دليل من إجماع وغيره على وجوب ذلك ، والبناء عليه لا بأس به ، ولا يخرج عن كونه جمعا دلاليا ، إذ ليس المراد منه إلا تشخيص المراد بالتأويل.
ولو لم يكن ذلك التأويل معتبرا ، فالإمكان العقلي غير الجواز الشرعي ، وما ذكره إنّما يساعد على عدم الجواز ، مع إنّه قائل بجوازه شرعا أيضا إذا فرض وجود الدليل حسبما عرفت ، وصاحب الغوالي يدعي الإجماع على ذلك ـ على ما يفهم من الجمود على ظاهر كلامه ـ وإن كان سيأتي أنّ مراده الإمكان العرفي ، وأنّه لا نزاع في البين.
والحاصل : إنّ من الواضح أنّ الإمكان العقلي غير العرفي وأنّه يمكن عقلا وجوب البناء على التأويل البعيد ، والحكم بكونه مرادا للشارع ، وإن كان متعددا ، ولا يرجع إلى الجمع العملي ، إذ مبناه على الإغماض عن التخصيص المراد ، وإبقاء كل من الظاهرين على حاله ، والمفروض أنّه في هذا الجمع يصرف الظاهر عن ظاهره.
__________________
(١) في النسخة هكذا : ولا كان جمعا عمليا لا دلاليا ...