للشرائط ، إذ واقع الحجيّة ليس إلا ما وجب العمل عليه في الظاهر ، وعدم الوجوب الواقعي بالنسبة إلى الحكم الفرعي الذي هو مؤدّى الخبر لا ينافي الحجية الفعليّة ، والمعلوم عدم حجيّة ما علم كذبه بخصوصه ، فالعلم الإجمالي إنّما ينافي العمل بالظاهر إذا كان هناك واقع وراء مؤداه ، ومع قطع النظر عنه ، وهذا إنّما يتم بالنسبة إلى العمومات المثبتة للأحكام الواقعيّة ؛ فمثل (١) قوله أكرم العلماء إذا علم بعدم وجوب إكرام واحد منهم في الواقع ، فإنّه يوجب الإجمال إذا لم يكن معيّنا ، لأنّ العموم إنّما يثبت الحكم الواقعي ، والمفروض العلم بخلافه في بعض الأفراد ، فبالنسبة إلى ذلك البعض لا وجوب في الواقع ، وهذا بخلاف العموم المثبت للحجيّة ، فإنّه ليس للحجيّة واقع وراء واجديّة الشرائط ، والمفروض تحققها بالنسبة إليهما ، فلا موقع لإيراد العلم الإجمالي بالكذب في المقام (٢).
وبالجملة ما ذكر إنّما يتم إذا كان الخبر الكاذب الواقعي غير واجب العمل في الواقع ، وإن لم يعلم كذبه بوجه من الوجوه ، مع أنّه ليس كذلك ؛ نعم العمل بمؤداه بما هو حكم واقعي غير لازم ، وهذا غير عدم وجوب العمل به بما هو حجّة ، فحجيّة الأمارات نظير حجية الأصول ، ومن المعلوم عدم خروجها عنها بمجرّد العلم الإجمالي ، بل لا بدّ من كونه منجزا للتكليف الذي يلزم من العمل بالأصلين طرحه ، وفي المقام أيضا نلتزم بذلك ، إذ لو فرض لزوم مخالفة قطعيّة عمليّة من العمل بالخبرين نحكم بعدم حجيّتهما وخروجهما عن دليل الاعتبار ، كما إذا دلّ خبر على عدم وجوب الجهر بالبسملة مثلا ، وآخر على عدم وجوب الاستعاذة قبل الفاتحة ، وعلمنا بوجوب أحدهما ، فكلّ منهما وإن كان جامعا لشرائط الحجيّة إلا أنّ هذا العلم الاجمالي المنجّز للتكليف مانع عن حجيّتهما فعلا ، فمجرّد العلم بمخالفة أحدهما للواقع لا يضرّ في الحجيّة (٣).
__________________
(١) في النسخ المعتمدة هكذا : مثل ...
(٢) كتب في النسخ هكذا : فلا موقع لإيراث العلم بالكذب الإجمالي .. ؛ وما كتبناه في المتن قد كتب في هامش النسخة.
(٣) وخلاصة المطلب أنّ الحجيّة لما هو المعلوم فعلا وليس لما هو في لوح الواقع ، فإنّ الحجّة ـ الموجودة بنحو ما يعبر عنه بأنّه مرتسم في لوح الواقع عند الله لا طريق للعلم به ، وعليه فالعلم الإجمالي بأنّ أحدهما غير المعيّن مخالف للواقع ليس بذي أثر.