وثالثا : لو سلّمنا أنّ المقام من قبيل العام المخصّص بالمجمل ، وأنّ دليل الحجيّة نظير أدلة الأحكام الواقعيّة ، نمنع الإجمال فيما إذا كان المخصص منفصلا ، بل القدر المسلّم من ذلك ما إذا كان متصلا ، حيث إنّه يسقط حينئذ ظهور العام ، وأمّا المخصّص المنفصل ، فلا يوجب سقوط ظهور العام من حيث هو ، وحينئذ فإن كان مفاد المخصص تكليف إلزامي يلزم طرحه من العمل بالعموم في جميع الأفراد لا يعمل بالعموم كما في الأصول العمليّة ، وإلا فيعمل بالعموم ، فإذا قال لا يجب إكرام العلماء ، وورد أكرم زيدا ، وكان مردّدا بين شخصين ، لا نعمل بالعموم ؛ لأنّه مستلزم لطرح تكليف إلزامي منجز ، وأمّا إذا قال أكرم العلماء وورد لا يجب إكرام زيد يعمل بالعموم ، ويحكم بوجوب إكرام كلّ منهما بمقتضى العموم ، ولذا لو كان المجمل الوارد مرددا بين التخصيص وعدمه ، كما إذا كان زيد مشتركا بين الجاهل والعالم لا يحكم بإجمال العام ، بل قد يقال إنّ ظهور العام رافع لإجماله ، ويكون دليلا على أنّ المراد منه زيد الجاهل ؛ هذا.
وعلى فرض تسليم حدوث الإجمال في العموم بالمخصّص المنفصل المجمل فإنّما (١) يسلم ذلك فيما إذا كان خطابا مجملا لا مجرّد العلم بعدم ثبوت حكم العام بالنسبة إلى جميع الأفراد ، ففرق بين قوله لا تكرم زيدا بعد قوله أكرم العلماء ، وبين العلم الإجمالي بخروج أحد الشخصين أو الأشخاص عن العموم من دون ورود خطاب مجمل ، ففي الثاني يعمل بالعموم إذا لم يستلزم طرح التكليف المنجز ، وما نحن فيه من قبيل الثاني ، وممّا يؤيد ما ذكرنا من عدم الإجمال بمجرّد العلم الإجمالي من دون ورود خطاب أنّه لا فرق في كون ذلك بالنسبة إلى عموم واحد أو أحد العمومات ؛ مع أنّ هذا العلم حاصل بالنسبة إلى مجموع العمومات الواردة في الشريعة ، أو جملة منها ، ولا يتوقف أحد في العمل بها بمجرّد ذلك.
ويمكن أن يقال إنّ اعتبار ظواهر العمومات إذا كان من باب بناء العقلاء فهم
__________________
(١) في النسخة : إنّما.