قلت : تلك الأخبار لا تثمر في المقام ؛ إذ هي ليست واردة في الخبرين المتعارضين ، وأنّ حكمهما عدم التساقط بناء على شمولها للمقام ، ومجرّد إيجاب الاحتياط أو التوقف عند الشبهة (١) لا يستلزم عدم سقوط الخبر عن الحجيّة ، بل هما من جهة مجرّد الاحتمال كما هو واضح.
وثانيا : يظهر منه أنّ كل واحدة من الفرق الثلاث من الأخبار ـ أعني أخبار التخيير والاحتياط والتوقف ـ مقتضاها عدم التساقط ، وأنّ الحجّة موجودة بين الخبرين ، وهذا بالنسبة إلى الطائفة الثالثة محلّ منع ، إذ دلالتها على ما ذكر مبنيّة على دلالتها على وجوب الاحتياط بالبيان الذي ذكره ؛ من أنّ التوقف في الفتوى الذي هو مفادها مستلزم للاحتياط في العمل ، كما فيما لا نصّ فيه ؛ وهو ممنوع ، إذ التوقف في الفتوى سواء كان بمعنى عدم القول والإفتاء على طبق أحد الخبرين ، أو عدم العمل به على أنّه حكم الله ـ كما هو شأن العمل بالخبر ـ لا يستلزم إلا الرجوع إلى الأصول.
فإن قلت : يمكن دعوى دلالتها على الاحتياط على حسبما ذكر في أخبار التوقف عند الشبهة : وهو أنّ المراد من التوقف : السكون وعدم المضي بارتكاب الفعل ، وهذا عين الاحتياط في العمل.
قلت : هذه الدعوى في المقام ممنوعة ؛ إذ الكلام في المقام لا يختص بالخبرين المتعارضين في الشبهة التحريميّة ، وهذا المعنى يناسب هذا المورد فقط ، فلا يستفاد من أخبار المقام أزيد من أنّه لا يجوز العمل بأحد الخبرين بجعله مرآة الواقع وأنّ مؤداه حكم الله ، وأمّا أنّه ما ذا يصنع في مقام العمل ؛ فلا يستفاد منها إلا أن يقال إنّ سياقها يقتضي عدم الرجوع إلى الأصول ؛ وهو ممنوع ، فظهر أنّ هذه الأخبار ليست منافية لمقتضى القاعدة.
فالأولى في البيان ما ذكرنا من أنّ أخبار التخيير تدل على عدم التساقط والعمل عليها ، وغيرها مطروح (٢) أو محمول على ما إليها يؤول ، وكيف كان ؛ فالمراد بالاحتياط الذي جعل أحد الوجوه في المقام ، واستفيد من أخبار التوقف هو
__________________
(١) الجملة السابقة «بناء على شمولها المقام» قد جاءت في كلا النسختين (ب) و (د) هنا.
(٢) في نسخة (د) : مطرح.