المقام أيضا رجّح القول بالتخيير ، وأجاب عن أخبار التوقف بما أجاب ، نعم لم يعتمد في الحكم بالتخيير على مجرّد أخباره ؛ بل عليها وعلى أمور أخر مثل الشهرة بين الأصحاب ، وكونه موافقا لحكم العقل بالبراءة ، فإنّه قال ما ملخصه ـ بعد اختياره التخيير وإسناده إلى المعروف من محققي متقدمي الأصحاب ومتأخريهم ـ (١) : إنّ الكلام في التخيير مثل الكلام في الترجيح في أنّه لا يجوز الرجوع فيه إلى الأخبار ، [ولا] سيّما مع اختلافها في تأدية المقصود ، فربّما حكم فيها بالتخيير أولا ، وربّما حكم فيها بعد العجز عن الترجيح ، وهي مختلفة في أنّه يعدّ أيّ (٢) من التراجيح؟
فلا يعرف موضع التخيير الخاص به ، بحيث يرتفع الإشكال!.
نعم ؛ يظهر من كثير منها أنّه بعد العجز عن الترجيح الخاص ؛ نعم هذه الأخبار مؤيدة للمختار ، وأمّا ما دلّ على التوقف فلا يقاوم ما دلّ على التخيير ؛ لأكثريتها وأوفقيتها بالأصول وعمل المعظم.
ثمّ ذكر محامل أخبار التوقف .. إلى أن قال : ويظهر لك قوّة القول بالتخيير عند العجز وضعف القول بالتوقف بملاحظة ما مرّ في الأدلة العقليّة أيضا ، وأمّا القول بالتساقط والرجوع إلى الأصل فهو ضعيف أيضا ؛ لأنّ بعد ملاحظة ورود الشرع والتكليف ، و [لا] سيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة في ورود حكم كلّ شيء وأنّه مخزون عند أهله ، يحصل الظن بأنّ حكم الله في هذه المادّة الخاصة هو مقتضى إحدى الأمارتين ؛ لا أصل البراءة ، خصوصا بعد ملاحظة الأخبار الواردة في التخيير ، وفي أنّ الخلاف منّا (٣) ، وأنّه أبقى لنا ولكم ، فلا يجوز ترك المظنون ، نعم أصل البراءة يقتضي عدم التكليف بواحد معيّن منهما ، وكيف كان ؛ فالمذهب هو التخيير ؛ انتهى.
والحاصل : إنّه لا ينبغي التأمّل في جريان الوجوه المذكورة ـ بناء على الظن المطلق ـ فكلّ من أصحاب الوجوه يرجّح وجها بناء عليه ، لدعواه أنّه المظنون
__________________
(١) قوانين الأصول : ٤٠٥.
(٢) في نسخة (ب): «يعدّان» بدل «يعدّ أي» ، وفي نسخة (د) : بعد أي.
(٣) كما وردت به بعض الأخبار «أنا خالفت بينهم» ...