إعافة أو كراهة ، ثمّ كان الخبر الآخر خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلىاللهعليهوآله وكرهه ولم يحرمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا ، وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والإتباع ، والردّ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله «وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا».
وجه الاستدلال : أنّه عليهالسلام حكم بالتخيير بين الخبرين فيما لو لم يكن أحدهما مخالفا للسنّة الإلزاميّة ، ولا يضر خصوصيّته بالصورة المذكورة ، بعد أن كان الفرض عدم المخالفة للسنّة (١) ، فيشمل ما إذا لم يكن في السنّة ما يوافق أحدهما أو يخالفه ، فذكره من باب المثال ، أو نقول يلحق به بالإجماع المركّب.
ولكنّ الإنصاف عدم دلالة الرواية ؛ لأنّ الفرض ليس التخيير (٢) بين الخبرين ، بل التوسيع إنّما هو من جهة أنّ الحكم غير إلزامي يجوز تركه ، فالعمل بالخبر المخالف في الحقيقة عمل بقول رسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ حيث إنّه لما أمر أو نهى لا مع الإلزام ، فقد أذن ورخص في خلافه ، كيف؟ ولو كان الغرض التخيير بين الخبرين لم يكن وجه للحكم بالرد إليهم ، والكفّ والوقوف في آخره ، إلا أن يقال إنّ المراد من آخره التوقف عن الإفتاء ، وتعيين الحكم في الواقعة ، فلا ينافي التخيير في العمل ، لكن ينافيه جعله مقابلا للأخذ بأيّهما يشاء (٣) ، حيث إنّه بعد حكمه بالأخذ بأيّهما شاء في الصورة السابقة قال عليهالسلام في الصورة اللاحقة بالتوقف ، فيعلم من ذلك أنّه ليس المراد خصوص التوقف في الفتوى بعد حمل السابق على التخيير في العمل.
فالإنصاف ما ذكرنا من عدم إرادة التخيير الذي يفيدنا حتى في الصورة المفروضة فيه ، بل المراد التخيير من جهة معلوميّة عدم كون الحكم إلزاميّا ، ومن ذلك يظهر عدم دلالة الرواية على ما ذهب إليه صاحب الوسائل (٤) من اختصاص التخيير بغير
__________________
(١) من قوله «الإلزاميّة ـ إلى قوله ـ للسنة» لا يوجد في نسخة (ب).
(٢) في نسخة (د) : ليس من التخيير ...
(٣) في نسخة (ب) و (د) : شاء.
(٤) ذكر صاحب الوسائل هذا المفاد في تعليقه على الحديث السادس من أحاديث الباب التاسع ـ من أبواب صفات القاضي أثناء تعليقه على رواية الكافي «بأيهما أخذت ..» قال : وجه الجمع حمل الأول على الماليّات والثاني على العبادات المحضة ، لما يظهر من موضوع الأحاديث ، أو تخصيص التخيير بأحاديث المندوبات والمكروهات لما يأتي من حديث الرضا عليهالسلام المنقول في عيون الأخبار.