وكيف كان ؛ فإذا لاحظنا صدور أخبار التخيير وكونها ناصّة في الرخصة وأخبار التوقف فالإنصاف أنّها تصير قرينة على ما ذكر من إرادة الاستحباب منها ، لعدم كون دلالتها على الوجوب مثل دلالة تلك على الرخصة.
الثاني : ما عن الكاشاني (١) من حمل أخبار التوقف على التوقف في الفتوى ، وأخبار التخيير على التخيير في العمل ؛ فيكون الحاصل أنّه لا يجوز الحكم بأنّ الواقع كذا معيّنا ، أو كذا كذلك ، لكن له أن يجعل عمله مطابقا لكلّ واحد من الخبرين ، ولو كان بالإفتاء بمضمونه ، فالممنوع تغير (٢) الواقع لا الإفتاء بمضمون أحدهما من باب التسليم.
والغرض من هذا البيان أنّه لا يلزم كون التخيير في المقام عمليّا صرفا حتى يكون راجعا إلى الإباحة مثلا في صورة تعارض خبر الوجوب والحرمة ؛ بل يجوز له الفتوى بالوجوب أو بالحرمة ؛ فالتخيير في مقام العمل غير التخيير العملي ، والمراد هو الأول ، والدليل على هذا الجمع أمران :
أحدهما : أن يقال : إنّ بعض أخبار التوقف ظاهر في التوقف في الفتوى ، فيكون شاهدا للجمع ؛ مثل قوله عليهالسلام : «ولا تقولوا فيه (٣) بآرائكم» ، وقوله عليهالسلام : «ردّوه (٤) إلينا» ، ومثل قوله في خبر سماعة : «يرجيه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة .. إلى آخره» ، إذ لا معنى للتوسيع بعد الإرجاء إلا إذا كان المراد الإرجاء في خصوص الفتوى.
هذا ؛ ولكن يمكن الخدشة في هذا الوجه : بأنّ مثل المقبولة كالصريح في الإرجاء في العمل ، فلا تقوى الشواهد المذكورة على صرفها عن ظاهرها ، وكذا قوله : «ولا تعمل (٥) بواحد منهما» ، وكذا خبر العيون حيث قال عليهالسلام : «وما لم تجدوه .. إلى آخره» ، فإنّه في مقابل الفقرة السابقة كالصريح في التوقف في العمل كما مرّ تقريبه ، وقوله
__________________
(١) حكاه عنه في بدائع الأفكار : ٤١٧.
(٢) في النسخة (ب) : تعين ، وفي نسخة (د) : تعيين.
(٣) لا توجد كلمة «فيه» في نسخة (د).
(٤) في النسخة (ب) : وردّوه ، وفي نسخة (د) : ردوا.
(٥) في النسخة (ب) : لا تعمل.