كما لو كان عاجزا في الفرعيّة ، فإنّه غير مكلّف بها (١) ، والأولى أن يقال : لأنّها أحكام إرشاديّة ليس لها مطلوبيّة في حدّ أنفسها ، بل المطلوبيّة في الحقيقة هو الأحكام الفرعيّة فلا ثمرة لتكليف غير المجتهد ـ الذي هو القادر على العمل بها ـ.
فلا يرد ما يقال من أنّ الأحكام الفرعيّة أيضا ليست مقدورة التحصيل للعامي فمجرّد عجزه عن التحصيل لا يضرّ في الاشتراك ، والحاصل أنّها لمكان كونها طريقة مقدميّة فالتكليف بها مختصّ بمن يقدر على سلوكها وإعمالها بمقدميّتها ، وتحصيل ذي الطريق منها.
الثالث : التفصيل بين مثل ظاهر الكتاب وخبر الواحد والإجماع المنقول .. ونحوها ممّا له اعتبار ووجود في حدّ نفسه من غير اختصاصه بشخص دون شخص ، ومن غير توقف له على صفة خاصة بشخص خاص ، ومثل الأصول العمليّة وصفة القطع وصفة الظن ـ بناء على الظن المطلق ـ والخبر الواحد إذا كان اعتباره بوصف الظن .. وهكذا ، فالتكليف بالقسم الأول مشترك ، وبالثاني مختص بالمجتهد ، وذلك لأنّ إجراء الأصل مثلا لا يمكن إلا بالشك وهو صفة للمجتهد فلا يعقل أن يكون المقلّد مكلّفا بإعمال الاستصحاب .. وهكذا سائر الأصول إلا بدعوى أنّ لها شأنيّة ووجودا واقعيّا ، ولا يعتبر فيها الشك الفعلي ، وقد عرفت منعها.
أو بدعوى أنّ المقلّد أيضا شاكّ في الحكم الواقعي ؛ غاية الأمر أنّه لا يدري أنّ الدليل موجود أو لا؟ أو أنّ الحالة السابقة ما ذا؟ فموضوع الأصل محرز في حقّه أيضا.
وفيها : أنّ الشك الذي هو معتبر في موضوع الأصول الشك لمن له أهليّة العلم ، لا مطلق الشك ، فموضوعها شك خاص وهو الشك بعد الفحص ممّن هو أهله ، وهذا واضح فشك المقلّد لا اعتبار به وإلّا فهو شاكّ في جميع الواقعيّات ، ومجرّد المصادفة في مورد الأصول بشك (٢) المجتهد لا يثمر شيئا ، ألا ترى أنّه لو حصل له الظن بالحكم في مورد يكون المجتهد أيضا ظانّا به ليس ظنّه مناطا للاعتبار ، بل ظنّ
__________________
(١) لم ترد كلمة «بها» في نسخة (د).
(٢) وردت في النسخة (ب) هكذا : لشكّ ، وفي نسخة (د) : الشك.