بالطرق ببعض دون بعض ، وإلا فيتطرق البحث إلى الأحكام الواقعيّة الأوليّة أيضا ، فإنّها أيضا لا تتعلق بالجاهل القاصر عن معرفتها ، فكما أنّ العامي مكلّف بالصلاة كالمجتهد ، فكذا مكلّف بالعمل بالخبر السليم عن المعارض ، أو بأحد الخبرين ، أو بأقواهما ، أو غير ذلك من سائر الأحكام الظاهريّة المجعولة للشاكّ والجاهل بالأحكام ـ أصلا كان أو طريقا ـ فإنّها كالأحكام الواقعيّة متعلّقة بالجميع ، لكنّها لا تتنجز إلا بعد إمكان العلم ، وإمكان الرجوع إلى العالم ، ففي أصل تعلّق الأحكام لا فرق بين الناس ، وكذا لا فرق في عدم تنجزها مع العجز ، وفي تنجزها مع إمكان العلم بلا واسطة كالمجتهد ، أو معها كالمقلّد.
وحينئذ فاللازم على المجتهد بيان حكم الواقعة للمقلّد ، ومن الواضح أنّ حكمها هو التخيير ؛ فكيف يفتي بالمعيّن الذي ليس هو حكم الله ؛ لا في حقه ولا في حق مقلّده ، فبحمد الله اتضح الحال ، ولم يبق للتأمّل فيه مجال.
ثمّ ذكر أنّه لا عبرة بنظر المقلّد إذا خالف نظر المجتهد ، وعلله بأنّه مكلّف بالرجوع إلى العالم ، لأنّ نظره ساقط عن الاعتبار ، فعليه التقليد في حكم المسألة ساعد نظره نظر مفتيه في بعض المقدمات أم لا ، إلا أنّه إذا قطع بفساد بعض مقدمات المجتهد يجب عليه تقليد غيره.
أقول : ظاهر كلامه كما ترى! دعوى الشركة في جميع المسائل (١) الأصوليّة ، ولو ما تعلّق منها بالاستنباط ، وقد عرفت حاله.
ثمّ أقول : يرد على ما ذكره (٢) من الابتناء منع ذلك ؛ فإنّ المسألة إذا كانت أصوليّة لا يجوز التقليد فيها ، ولو قلنا بالشركة حسبما عرفت ، وما ذكره (٣) هذا الفاضل من أنّه لا عبرة بنظر المقلّد إذا خالف المجتهد في بعض المقدّمات ، وأنّه لا يعمل بمقتضى نظره وإن كان قاطعا ؛ بل عليه التقليد في حكم المسألة ـ أي المسألة الفرعيّة ـ ناظر إلى هذا ؛ لأنّ اعتماده (٤) على نظر نفسه مستلزم للتقليد في المسألة الأصوليّة بالنسبة
__________________
(١) في نسخة (ب) و (د) : المطالب.
(٢) ورد في النسخة (ب) و (د) : ذكراه.
(٣) من هنا إلى قوله «إذا خالف المجتهد» يوجد اختلاف مع النسخة (ب) بالتقديم والتأخير.
(٤) في نسخة (د) : الاعتماد.