ولا ينافي ذلك وجوب كون الترجيح في المناط ، وأنّ الرجحان من جهة أخرى غير مثمر ؛ وذلك لما عرفت من أنّ المفروض أنّ المناط هو الإيصال الغالبي إلى الواقع ، وهذا يقوى بالمرجّح المذكور وكون الظن النوعي مناطا في أصل الاعتبار بمعنى كفايته ، وعدم اعتبار الظن الفعلي لا ينافي قوّة النوع في مقام المعارضة ، ففي صورة غير المعارضة (١) لا اعتبار بالظن الفعلي موافقا كان أو مخالفا ، لكنّه يثمر في مقام المعارضة.
ودعوى أنّه إذا كان المناط الظن النوعي والمفروض وجوده في المرجوح أيضا فيعارض الراجح فلا يمكن تخصيص دليل الحجيّة بالراجح.
مدفوعة : بما ذكرنا من أنّ مقتضى ذلك ليس أزيد من الاكتفاء به وعدم الإناطة بالظن الفعلي لا عدم اعتباره أصلا ، وبالمرّة ألا ترى في الواجبين المتزاحمين أنّ غير الأهم أيضا واجد لمناط الوجوب ، ومع ذلك لا يزاحم الأهم ويقدم الأهم عليه مع أنّه في أصل الوجوب لم يلاحظ الأهميّة ، فإنّ غير الأهم في مقام (٢) المزاحمة واجب.
ويظهر ما ذكرنا بملاحظة بناء العقلاء في الطرق المتعارضة المعتبرة بينهم فإنّهم يتوقّفون عنها في صورة التساوي لا في صورة أقوائيّة أحدهما ، نعم يعتبر أن تكون القوّة بمقدار واف في الترجيح فالأقربيّة في الجملة لا يعبأ بها كما لا يخفى ، وقد يكون الترجيح لأحد الواجبين أو الدليلين من باب التعبد الشرعي كالترجيح بمخالفة العامّة مثلا من حيث مجرد حسن مخالفتهم ، وكالترجيح بالأعدليّة في الجملة .. ونحو ذلك ممّا لا يعتبره (٣) العقلاء ، وهذا يحتاج إلى التوقف (٤) من الشرع ، ثمّ إنّه لا يتفاوت الحال فيما ذكرنا من الترجيح بتعدد العنوان وآكديّة المناط بين كون مقتضى القاعدة في تعارض الأمارتين التساقط وغيره ، وذلك لأنّه بناء على التساقط أيضا نقول : إنّه إنّما يكون إذا لم يكن مرجّح لأحد الطرفين وإلا فيكون دليل الحجيّة
__________________
(١) في نسخة (د) : ففي غير صورة المعارضة.
(٢) في نسخة (ب) و (د) : في غير مقام ...
(٣) في نسخة (د) : مما يعتبره.
(٤) في النسخة (ب) و (د) : التوقيف.