المتقدمين لم يلتفتوا إلى أخبار التراجيح بل إنّما وقف عليها المتأخرون (١) مثل أخبار الاستصحاب (٢) ، ومع ذلك عملهم على إعمال التراجيح ، ولازم ما ذكرنا الترجيح بمثل الأعدليّة والأكثريّة والأصدقيّة والأفقهيّة من جهة غلبة النقل بالمعنى ، وهو (٣) موافقة الكتاب ومخالفة العامّة من باب الحمل على التقيّة لا من باب أنّ الرشد في خلافهم ، ولا من باب مجرّد (٤) حسن المخالفة ، وكذا الشهرة والشذوذ والمطابقة لفتوى المشهور إذا كان عن استناد دون مجرّد المطابقة ، وهكذا غير المذكورات ممّا يرجع إلى ما ذكرنا ، ولا يعتبر مثل الظن بالواقع من غير المذكورات وموافقة الأصول العمليّة ، وإن كان من باب الظن والشهرة التطابقيّة والأفصحيّة .. ونحو ذلك.
والظاهر أنّ موافقة القواعد الكليّة الاجتهاديّة والأخبار الضعيفة مثل (٥) القسم الأول كما أنّ موافقة الاستقراء والأولويّة والاستحسانات ونحو ذلك من قبيل القسم الثاني ، وعليك بالتأمّل في أنّ أيّا من المرجّحات من قبيل الأول وأيّا منها من قبيل الثاني.
ثمّ إنّ ذلك كلّه بناء على الاعتبار من باب الطريقيّة الصرفة ، وأمّا بناء على الموضوعيّة والسببيّة فلا ترجيح إلا بتعدد (٦) العنوان ؛ إذ آكديّة المصلحة غير معلومة ؛ إذ هي فرع العلم بالمصلحة ولا علم إلا بوجودها في كليهما ، وأمّا مقولتهما (٧) فغير
__________________
(١) لا يخفى بعد هذه الدعوى لأمرين :
أولا : كون هذه الروايات قد دونوها في كتبهم ورووها.
وثانيا : أنّهم قد التفتوا إلى التناقض الذي يظهر للناظر فيها بدوا ، ولذا كتب الشيخ كتابه الإستبصار لحل مثل تلك التناقضات البدويّة ، بل ذكر بعضهم أنّ ظهور مثل تلك الأخبار أوجب ردّة بعض الشيعة في أوائل الأمر فأوجب ذلك سؤال الأصحاب من الأئمة عن سبب ذلك ، وتأليف المجاميع والرسائل في توجيه الروايات المتخالفة. وكتب المتقدمين ملىء بتوجيه الروايات المتعارضة ، فتأمل!
(٢) فقد ذكروا أنّ أول من استدل لحجيّة الاستصحاب بالروايات هو والد الشيخ البهائي الشيخ حسين بن عبد الصمد رحمهالله.
(٣) لا توجد هذه الكلمة «وهو» في نسخة (د).
(٤) من هنا إلى قوله «وهكذا غير المذكورات» لا يوجد في نسخة (د).
(٥) في نسخة (د) : من قبيل.
(٦) في نسخة (د) : إلا تعدد ...
(٧) في نسخة (د) : مقولتها.