إلى أهل الخبرة (١) يفهمون أنّ النظر إلى حيث خبرته فالأبصر والأخبر عندهم مقدّم وإن كان يحتمل أن يكون النظر إلى خصوص كونه أهل خبرة بحيث تكون الزيادة في الخبرة كالعدم ، فظاهر دليل جعل الأمارة هو أنّ النظر إلى حيث كشفه وأماريته والاحتمال المذكور مثل احتمال أن يكون اعتبار الشارع لخبر العادل من أنّ (٢) موضوع العادل يحسن الاعتناء بكلامه ، لا من حيث إنّه كاشف عن الواقع.
وأمّا كون المناط هو الظن النوعي والكشف الغالبي دون الشخصي فلا ينافي ما ذكرنا ؛ إذ هو من باب الكفاية وعدم اعتبار الأزيد (٣) لا من باب أنّ هذا المقدار هو المناط والزيادة خارجة عنه بالمرّة ، بحيث تكون الأصدقيّة والأخبريّة مثلا (٤) مثل كون أحد الراويين أبيض أو أسود ، ألا ترى أنّ في الواجبين المتزاحمين يترجح (٥) بقوة الوجوب وتأكده مع أنّ المناط في أصل الوجوب موجود في كل منهما والزيادة زيادة.
وأمّا ما ذكرت (٦) من أنّ الأقربيّة إلى الواقع لا اعتبار بها فهو كذلك إذا لم يرجع إلى قوّة الطريق ، فالمعتبر (٧) قوّة الطريق لا الظن بالواقع فتدبّر.
والحاصل : أنّ بناء العقلاء على اعتبار كلّ ما يوجب قوّة الطريق في نوعه وطريقيّته دون ما يوجب قوّة مضمونه من الظنون الخارجيّة في مطلق الطرق ومطلق الأمور شرعيّة وغيرها ، وبنائهم حجّة إلا مع الردع ولا ردع ، وعلى فرض الحاجة إلى الإمضاء والتقرير فهو حاصل ، بل يمكن أن تنزّل أخبار التراجيح على ذلك كما سيأتي ، وعليه عمل العلماء أيضا.
والظاهر أنّ ذلك منهم ليس بملاحظة الأخبار ؛ لأنّهم يعلّلون بغيرها مع أنّه قيل إنّ
__________________
(١) في نسخة (د) : إلى قول أهل الخبرة.
(٢) في نسخة (ب) و (د) : من حيث إنّ.
(٣) في نسخة الأصل : أزيد ، وما أثبتناه هو من النسخة (ب).
(٤) لا توجد كلمة «مثلا» في النسخة (ب).
(٥) في نسخة (د) : يرجح.
(٦) في نسخة (ب) : ما ذكر.
(٧) ما أثبتناه هو من النسخة (ب) ، وفي الأصل : المعتبرة.