ثانيا أنّه يجوز الترك ؛ لأنّ القدر المسلّم المعلوم جواز أخذ الخبر الأرجح دليلا وتعيين الواقع به والحكم بأنّه الوجوب.
وأمّا وجوب ذلك فلا فيجوز العمل بالخبر الآخر بمعنى ترك ذلك الشيء لا بمعنى الحكم بأنّ حكم الله هو جواز الترك كما لو قلنا بالتخيير ففي الحقيقة ما ذكرنا تخيير بين أخذ الشيء دليلا وعدم أخذه ، لا بين الخبرين كسائر المقامات.
فإن قلت : بعد فرض وجود الدليل لا معنى لجواز الترك ؛ إذ لا يعقل جواز ترك العمل بالدليل الثابت الحجيّة وهو الخبر الأرجح.
قلت : ليس الأرجح دليلا من حيث هو ؛ لأنّه غير معلوم بل المعلوم جواز أخذه دليلا فدليليّته المعلومة إنّما هي القدر المشترك بين التعيين والتخيير فهو نظير دليليّة كل من الخبرين على وجه التخيير ، غاية الأمر أنّ الطرف الآخر من التخيير في المقام مجرّد تطبيق العمل لا جعله دليلا وحجّة على مؤدّاه كما هو الشأن في التخيير بين الخبرين مع العلم بالتعادل ، وإن كان ذلك في قبال التخيير الشرعي الثابت بالأخبار مع فرض الإطلاق فيها كما هو الواقع ؛ إذ الإنصاف أنّها مطلقة في الحكم بالتخيير بين المتعارضين من الأخبار ، غاية الأمر التقييد بالنسبة إلى المرجّحات المنصوصة ، فمع الشك في اعتبار مرجّح آخر يؤخذ بإطلاقها ويحكم بالتخيير ، وهل يؤخذ بإطلاقها بالنسبة إلى ما يرجع إلى قوّة النوع من الأمور التي ذكرناها أولا وقلنا إنّ بناء العقلاء على الأخذ بها والترجيح بها ، فيكون إطلاق تلك الأخبار ردعا لبنائهم أو لا؟ وجهان ولا طائل في البحث عن ذلك بعد كون ما ذكرنا [من] أنّ بناء العقلاء عليه هو المرجّحات المنصوصة في الأخبار خصوصا بعد التعدي عنها إلى غيرها ممّا يشبهها بناء على فهم المثاليّة من المرجّحات المذكورة فيها كما سيأتي ، فعلى هذا تتطابق الأخبار وبناء العقلاء حسبما أشرنا إليه سابقا أيضا.
ثمّ إنّ التمسك بالإطلاقات في نفي الترجيح عند الشك مخصوص بالشبهة الحكميّة ، وأمّا في الشبهة الموضوعيّة كأن شك في وجود ما هو معلوم المرجحيّة فلا يتمسك بالإطلاق ، لكن إذا كان بحيث يجري فيه أصل العدم فالحكم كما ذكرنا ،