إذ المفروض أنّه يثبت (١) بالإطلاقات التخيير في الخبرين إلا إذا كان هناك أعدليّة أو أصدقيّة أو نحو ذلك ، فإذا شك في وجودها وفرضنا جريان أصل العدم فيها فيحكم بالتخيير فهو نظير ما لو قال أكرم العلماء إلا الفسّاق وشككنا في فسق زيد فإذا قلنا الأصل عدم فسقه بأن كان له حالة سابقة فيحكم بوجوب إكرامه ، فتدبّر (٢).
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : اختلفوا في وجوب العمل بالأرجح من الدليلين وعدمه على قولين أو أقوال ؛ فعن المشهور أنّه يجب العمل بالأرجح مطلقا في الأخبار وغيرها من الأدلّة المتعارضة ، وعن بعضهم عدمه ، وأنّه يحكم بالتساقط والتخيير أو التوقف ، كلّ على مذهبه ، ويحتمل التفصيل بين الأخبار فيجب العمل فيها بالراجح (٣) منها بالمرجّحات المنصوصة أو مطلقا وبين غيرها من الأدلّة
__________________
(١) في نسخة (ب) و (د) : ثبت.
(٢) وقال في حاشيته على المكاسب في خيار الغبن تعليقة رقم ٨٠٠ : «.. أحدها : أنّ ملاك التمسك بالعموم عند الشك إنّما هو ظهور العموم وشموله لمورد الشك بحسب نظره اللفظي ، لا جريان أصالة عدم التخصيص ، فإنّه لا معنى لهذا الأصل إلا ظهور العموم ونظره ، وكذا الحال في أصالة الإطلاق وأصالة الحقيقة ، وحينئذ فنقول لا شك في أنّ العموم في القسم الأول أيضا ناظر إلى جميع الأزمنة ، وجميع الأيام ، بل جميع الآنات ؛ لأنّ هذا معنى قوله «أبدا» ، غاية الأمر أنّ تلك الأجزاء ملحوظة بلحاظ وحداني ، لا بلحاظات عديدة ، فهي أبعاض ، لا أفراد ، وإذا كان ناظرا إليها مع خروج بعضها والشك في البعض الآخر لا مانع من الأخذ بمقتضى ظهوره ونظره ؛ إذ لا فرق في كون كل من تلك الأزمنة داخلا تحت النظر بين كونه ملحوظا مستقلا ، أو ملحوظا بعنوان الجزئيّة ، فمجرد كون خروج الباقي غير موجب لزيادة التخصيص لا يستلزم عدم التمسك بالظهور ؛ إذ ليس المدار فيه على زيادته ونقصانه ، بل على كون المورد منظورا في العام أو غير منظور ، ولا اشكال في كون الجميع داخلا تحت النظر الوحداني ، فحال هذا القسم من العموم الأزماني حال العموم المجموعي ، كما إذا قال «أكرم مجموع العلماء» ، ومن المعلوم أنّه لو شك في بعض الأفراد بعد خروج بعضها يتمسك فيه بالعموم ، مع أنّه ليس منظورا على وجه الاستقلال ، بل في ضمن المجموع.
ثمّ على فرض كون الملاك أصالة عدم التخصيص نقول : يمكن أن يقال في المقام أيضا أنّ خروج بعض الأزمنة معلوم ، وخروج البعض الآخر مشكوك ، والأصل عدمه ، وإن كان على فرض الخروج خارجا مع ذلك البعض بعنوان واحد ؛ إذ ليس المدار على كيفية الخروج وأنّه اخراج واحد أو أزيد ، بل المدار على كونه كثيرا أو قليلا ، سواء كان إخراجا واحدا ، أو اخراجين ، وسواء كان الخارج فردا مستقلا ، أو جزء لفرد ملحوظ على وجه الاستمرار ، ولعمري إنّه من الوضوح بمكان. انتهى.
(٣) في نسخة (ب) و (د) : بالأرجح.