زيد من حيث إنّه عالم (وبعنوان أنّه عالم) (١) وإذا كان الأمر كذلك فيمكن أن يكون الراجح والمرجوح سواء في جعلهما طريقا ، وإن كان بينهما فرق في أنفسهما حيث إنّ طريقيّة أحدهما في حدّ نفسه بمعنى كاشفيّته أولى وأرجح من الآخر.
فظهر أنّ الأرجح من حيث الإيصال لا يلزم أن يكون أرجح في مقام العمل والأخذ والحجيّة الفعليّة وهذا واضح.
ثمّ إنّ ما ذكر في الاستدلال من الترقي إلى الامتناع ليس في محلّه كما لا يخفى كيف؟ ولو كان كذلك لم يكن وجه للقول بلزوم العمل بالأرجح ؛ إذ التكليف إنّما يتعلّق بالممكن ، فهو خلط بين مقام الإيجاد ومقام المصلحة والتكليف ، فترجيح المرجوح من حيث علّة الإيجاد محال ، بل ترجيح أحد المتساويين محال عند غير الأشعري ، بل عنده أيضا ؛ لأنّه يجعل الإرادة مرجّحا ، وفي مقام التكليف والمصلحة اختيار غير الأرجح وما فيه المصلحة قبيح لا محالة ؛ إذ من البديهيّات إمكان إيجاد ما فيه المفسدة (٢) أو ما هو حرام أو مكروه فكيف يقال إنّه محال ، وفي مقامنا من البديهي إمكان العمل بالخبر المرجوح.
هذا ولبعض الأفاضل في المقام كلام لا بأس بنقله :
قال ـ بعد ذكر الدليل المذكور ـ (٣) : وهذه القاعدة ممّا استدلوا بها في كثير من المسائل ، فقد استدلّ بها أهل التحسين والتقبيح في علم الكلام لإثبات إمامة الأفضل ، وفي حال انسداد باب العلم لإثبات حجيّة الظن ، وكثيرا ما يستدلون بها في بعض مسائل (٤) الفقه ، والتحقيق أنّ هذه القاعدة إمّا أن تلاحظ في فعل المكلّف أو الشارع ، فإن أرادوا إجراءها في فعل المكلّف وأنّه لا يجوز له في مقام الامتثال ترجيح الموهوم والعمل به ؛ ففيه أنّ الكلام في جوازه شرعا بعد فرض إمكان وقوعه لمرجّحات خارجيّة (٥) نفسانيّة ، وحينئذ يخرج المرجوح عن كونه مرجوحا ،
__________________
(١) لا توجد هذه العبارة في النسخة (د).
(٢) في نسخة (د) : مفسدة.
(٣) بدائع الأفكار : ٤٣١.
(٤) قوله «بعض المسائل» لا توجد في نسخة (ب).
(٥) في نسخة (د) : خارجه.