وأمّا قلّة الوسائط وكثرتها فلا دخل لها قطعا ، خصوصا مع أنّ الملحوظ كلّ واسطة واسطة إذ يراعى المرجّحات المذكورة بالنسبة إلى كلّ واحد من الرواة ، فكأنّه هناك أخبار عديدة بلا واسطة ، هذا مع أنّا نمنع ندرة حصول العلم خصوصا بالنسبة إلى موافقة الكتاب والسنّة ، حيث إنّ المدار على موافقة عموماتها ، وهي غير محتاجة إلى الرجوع إلى كلمات المفسرين ، وكذا بالنسبة إلى مخالفة العامّة ؛ فإنّ المراد مخالفتهم في الجملة لا مخالفة جميعهم كما عرفت ، وهذا يمكن العلم به غالبا واحتمال كون الخبر الآخر أيضا مخالفا لبعضهم مدفوع بالأصل ، فتدبّر.
وبالجملة ؛ الإنصاف عدم وقع لهذا الإشكال أيضا.
ومنها : أنّ هذه الأخبار معارضة بأخبار التوقف والتخيير ، فلا يجوز الأخذ بها إلا بعد علاج التعارض ، وهو إمّا بترجيح هذه سندا من حيث اعتضادها بالشهرة أو من جهة الأكثرية أو بترجيحها دلالة من حيث أخصيّتها ، والأخذ بها أول الدعوى والرجوع إلى هذه الأخبار في وجوبه دور واضح ، ودعوى خروج الترجيح الدلالي عن محلّ الكلام هنا أو كونه إجماعيّا من حيث هو ممنوع ، بل النزاع في المقام أعم ولذا يذكرون المرجّحات المتنية ممّا يرجع إلى الدلالة في عدد المرجّحات ، وكونه إجماعيّا ممنوع ، ودعوى عدم صدق التعارض على العام والخاص المطلقين أيضا ممنوعة.
والجواب واضح : إذ لا إشكال في تقديم الجمع الدلالي خصوصا في مثل العام والخاص ، بل خروجهما عن التعارض عرفا ، وعن محلّ الكلام في المقام ، وذكر المرجّحات المتنيّة لا يقتضي دخول العام والخاص المطلقين (١) في النزاع ، وعلى فرضه لا إشكال في ضعفه فمجرّد النزاع لا يكفي بعد القطع بوجوب الجمع ، ولعمري إنّه من الواضحات مع أنّه يمكن أن ترجح هذه الأخبار بالشهرة والإجماع على الأخذ بالترجيح لا من جهة هذه الأخبار حتى يكون دورا ، بل لأنّ إطلاقات التخيير حينئذ تصير موهونة من حيث هي ، وخارجة عن الحجيّة.
ومنها : أنّ هذه الأخبار بعضها يعارض بعضا ، والنسبة عموم من وجه ؛ وذلك لأنّ
__________________
(١) جاءت العبارة في نسخة (د) : العام والخاص والمطلق والمقيد في محل النزاع ...