بصدور الخبرين كلاهما فلا محل هناك للأخذ بسائر المرجّحات ، ففي مورد يجب الاقتصار على هذا المرجّح مع أنّه يرجع إلى الأخذ بمخالف العامّة ، فتأمّل.
هذا مع إمكان حمل الأخبار المذكورة على بيان الأمر الفلاني مرجح (١) في الجملة ، من غير نظر إلى نفي سائر المرجحات ، ووجه الاقتصار كون ذلك موردا لابتلاء السائل ، وله غالبا ، بل من نظر في الأخبار المذكورة بعين الإنصاف لا يتأمّل في ذلك ؛ إذ ليس شيء من الأخبار المذكورة آبيا عن ذلك ، فلا يستفاد منها أزيد من مرجحيّة الأمر الفلاني ، فعليك بالتأمّل والمراجعة.
ومنها : أنّ الأخبار المذكورة مختلفة غاية الاختلاف ؛ ففي بعضها (٢) اقتصر على واحد من المرجّحات ، وفي بعضها على اثنين ، وفي بعضها على ثلاثة ، وفي بعضها على أزيد مع اختلافها في الترتيب أيضا ؛ ففي بعضها أمر بالتوقف أولا ، وبعضها أمر به في آخر الأمر ، وبعضها أمر بالتخيير بعد فقد واحد منها (٣) ، وبعضها لم يذكر التخيير والتوقف ، هذا مع ورود المطلقات بالتخيير أو التوقف ، ومثل هذا الاختلاف الفاحش لا يناسب كون الأخذ بالمرجّح واجبا ، فيجب حملها على الاستحباب نظير أخبار البئر ، كيف؟ ولو حملت على الوجوب لزم تأخير بيان المطلقات الدالّة على التخيير عن وقت الحاجة ؛ إذ الظاهر أنّ سؤال السائلين كان في زمان حاجتهم مع أنّ اللازم ورود رواية مشتملة على جميع الترجيحات وليس.
وبالجملة ؛ مقتضى قاعدة المطلق والمقيّد وإن كان الأخذ بالمقيّد وتقييد المطلقات بكلّ واحد من الأخبار المشتملة على المرجّحات إلا أنّه في مثل المقام يعدّ (٤) من المتعارضين ؛ إذ المطلق إذا كان واردا في زمان الحاجة يكون كالنص في جميع أفراده ، فهذا الاختلاف (٥) ـ بضميمة كون المطلقات في مقام الحاجة ـ يمنع
__________________
(١) جاءت العبارة في نسخة (د) هكذا : على بيان أنّ الأمر الفلاني مرجّح.
(٢) في نسخة (د) : فبعضها. وهكذا ما سيأتي من قوله ففي بعضها.
(٣) في نسخة (د) : واحد منها معينا.
(٤) في نسخة (د) : يعدّان.
(٥) في نسخة (د) : فهذا الاختلاف الفاحش.