لفهم الاختصاص في أخبار التخيير ، لا أقلّ من الشك في شمولها للصورة المفروضة بالملاحظة المذكورة ، فلا يكون دليلا على التخيير ، فنرجع إلى الأصل ، وقد عرفت أنّ مقتضاه ـ في الدوران بين التخيير والتعيين ـ التعيين ؛ والمفروض أنّه لا إشكال في أنّ الحكم ـ مع عدم الترجيح ـ التخيير ، فتكون المسألة من الدوران المذكور.
ولكن قد عرفت سابقا منّا الخدشة في هذا الأصل ، وأنّ الحق في صورة الدوران التخيير ؛ فراجع (١).
وكيف كان ؛ فلا ينبغي التأمّل (٢) فيما ذكرنا بملاحظة مجموع ما ذكر من الإجماع ، وبناء العقلاء ، وسياق أخبار التخيير ، وأخبار الترجيح ؛ هذا كلّه مضافا إلى أنّ في الأخبار فقرات تدلّ على المختار :
منها : الترجيح بالأصدقيّة في المقبولة والأوثقيّة في المرفوعة ، فإنّه يمكن أن يفهم منهما (٣) التعدي إلى جميع صفات الراوي ، فإنّه يمكن أن يفهم منهما التعداد من جميعها في الأصدقيّة (٤) ، فإنّ المراد من الأصدقيّة ليس مجرد كون الراوي من حيث هو أصدق ، بل الأصدقيّة من حيث نقله الحديث ، ولذا قال «وأصدقهما في الحديث» ، فلو فرضنا أنّ أحد الراويين عادل والآخر غير عادل ، أو أحدهما إماميّ والآخر عامّي ، أو نحو ذلك ، أمكن أن يقال إنّ العدل أصدق من الفاسق ، والإمامي أصدق من العامي ، وهكذا يمكن أن يقال : الأضبط أصدق من غيره ، ويمكن إدراجها في الأوثق ، بل يمكن أن يقال إنّ ناقل اللفظ أوثق من ناقل المعنى وهكذا ..
فجميع الصفات من المنصوصات وغيرها داخلة في الأصدقيّة أو الأوثقيّة ، أو فيهما معا ، ولذا اقتصر في المرفوعة على الأعدليّة والأوثقيّة ، بل الظاهر أنّ الأوثقيّة فيها
__________________
(١) راجع الصفحة ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وموارد متعددة أخرى من الكتاب.
(٢) في نسخة (د) : وكيف كان فمقتضى التأمل ...
(٣) لا توجد كلمة «فيهما» في نسخة (د).
(٤) هكذا العبارة في النسخة ؛ وكما ترى فإنّ فيها اضطرابا ، نعم يمكن التوجه للمراد من خلال معرفة أنّه يريد إرجاع كل الصفات إلى صفة الأصدقيّة ، وجاءت العبارة في نسخة (د) هكذا : فإنّه يمكن أن إدراك جميعها في الأوثقيّة أو في الأصدقيّة من حيث نقله الحديث. والعبارة بعدها لا توجد في نسخة (د) إلى قوله : ولذا قال «وأصدقهما ..».