الجبر والتفويض والتجسيم والتشبيه ، نعم لا نضايق من إمكان حمل خصوص قوله عليهالسلام «ما سمعتم مني يشبه قول الناس ففيه التقيّة» (١) على ذلك ـ كما سيأتي من الشيخ في الرسالة (٢) ـ لكنّ سائر الأخبار واضحة المنار في خلاف ذلك.
وقد يستشكل فيها بأنّها مختلفة المفاد ، فلا يمكن عليها الاعتماد ؛ وذلك لأنّ بعضها ظاهر في الأخذ بمخالف العامّة تعبدا ، وبعضها ظاهر في الأخذ به من باب مجرّد حسن مخالفتهم كقوله عليهالسلام في مرسلة داود بن الحصين (٣) : «إنّ من وافقنا خالف عدوّنا ومن وافق عدوّنا في قول أو عمل فليس منا ولا نحن منه» ، وقوله عليهالسلام في رواية الحسين بن خالد (٤) : «شيعتنا المسلّمون لأمرنا ، الآخذون بقولنا ، المخالفون لأعدائنا ، فمن لم يكن كذلك فليس منّا».
وبعضها ظاهر في الأخذ به من باب أنّ الرشد والحق في خلافهم ، كخبر عمر بن حنظلة (٥) ، ورواية علي بن أسباط (٦) .. وغيرهما (٧) ، وبعضها ظاهر في الأخذ به من باب أنّ الموافق صدر تقيّة كقوله عليهالسلام «ما سمعتم مني يشبه قول الناس ففيه التقيّة ..» (٨) ، ومع هذا الاختلاف لا يمكن الأخذ به.
والجواب : إنّ مجرّد الاختلاف في الوجه لا يقتضي ترك العمل بها في أصل الترجيح ، خصوصا مع عدم المنافاة بين المذكورات ، ومع أنّ الطائفة الأولى غايتها ترك التعرض للوجه والسكوت عنه ، لا أنّ الترجيح تعبّدي .. فيمكن حملها على
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٢٢ / باب ٣ من أبواب الخلع ، حديث ٧ ، ٢٧ / باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٦.
(٢)
(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٣٣ عن رسالة الراوندي.
(٤) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٥.
(٥) وموطن الشاهد منها قوله عليهالسلام : «بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال : بما خالف العامّة ، وهو الحديث الأول من الباب التاسع من أبواب صفات القاضي.
(٦) ومفادها : .. ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه ، فإنّ الحق فيه».
(٧) كما في الحديث ٣٤ من الباب التاسع : فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة فخذوه ، وحديث ٣١ : خذ بما خالف القوم وما وافق القوم فاجتنبه ، وحديث ٣٠ : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم.
(٨) وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٤٦.