من هذا المرجّح ؛ لأنّ قوله (عليهالسلام) «ما سمعتم منّي .. إلى آخره» ظاهر في الخبر القطعي ، بل في الخبر المسموع من الإمام عليهالسلام ؛ غاية الأمر التسرية إلى غير المسموع من المقطوعات ، فشموله للخبرين الظنيين يحتاج إلى دليل ، ويمكن التمسك له بأنّ قوله عليهالسلام «ما سمعتم ..» من القرائن العامّة التي نصبها الإمام عليهالسلام لبيان أنّ الأخبار الموافقة للعامّة صادرة على وجه التقيّة ، وإذا كان كذلك نقول :
إنّ القرينة منصوبة على نفس قول الإمام عليهالسلام ؛ أعمّ من أن يكون ثابتا بطريق القطع أو الظنّ ، فيجري في الأخبار الظنيّة أيضا ؛ نعم بناء على عدم كونه من القرائن العامّة بل من باب نصب أمارة نوعيّة ، بحيث يكون من الأحكام المجعولة نظير حجيّة الخبر فلا (١) يشمل الظنيّات ؛ لأنّه منصوب في الأخبار القطعيّة لا في مطلق قول الإمام عليهالسلام المنقول.
وحينئذ فلا بدّ في إثبات التسرية إلى الظنيّات من دعوى تنقيح المناط وهو ممنوع في الأمور التعبديّة ، أو دعوى أنّ أدلّة حجيّة الخبر الواحد تثبت جميع الآثار المحمولة على الأخبار القطعيّة فإذا كان حكم الخبر القطعي الحمل على التقيّة عند التعارض فيكون حكم الخبر الظني أيضا كذلك ، وهذه الدعوى مدفوعة بأنّ المفروض أنّ الحكم معلّق على الخبر المعلوم ، فالعلم (٢) جزء لموضوع الحكم وأدلّة الأمارات والأصول لا تثبت آثار العلم الموضوعي كما ثبت في محله (٣).
فظهر أنّه ـ بناء على كون هذا القول من الإمام عليهالسلام من باب نصب القرينة ، ومن باب الإخبار عن الواقع ـ يجري هذا المرجّح في الأخبار الظنيّة أيضا ، وبناء على كونه من باب نصب الأمارة فيختص بالقطعيّة ، ولا يجري في الأخبار الظنيّة إلا بإحدى
__________________
(١) في نسخة (ب) هكذا : وحينئذ فلا يشمل ...
(٢) في نسخة (د) : إذ العلم.
(٣) هذا بحث علمي دقيق وملخصه : أنّ الأدلة الدالة على حجيّة الأمارات والأصول هل تقوم بتحمل إثبات حجيتها في مقام القطع الموضوعي فتنزل منزلته أم لا؟ قولان بل أقوال في المسألة ، ومنها التفصيل بين آثار العلم وآثار المعلوم ، ويظهر من السيد هنا أنّ تلك الأدلة تثبت آثار المعلوم دون آثار العلم فلو علمت بعدالة زيد من طريق البينة أو الأمارة جاز لك الصلاة خلفه ، ولكن لا يجوز لك الشهادة بأنّه عادل ؛ لأنّ الشهادة أثر العلم لا أثر المعلوم ، والفرض أنّ دليل الحجيّة لم يتكفل إثبات أثر العلم بل أثر المعلوم فقط ، فافهم.