ومنها : ما عن معاني الأخبار (١) عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : «حديث تدريه خير من ألف حديث ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا ، إنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف إلى سبعين وجها ؛ لنا من جميع ذلك المخرج».
ومنها : ما عن البصائر (٢) أيضا في حديث قال الإمام عليهالسلام في آخره : «.. إنّ له عندي سبعين وجها» .. إلى غير ذلك.
فانظر إلى صراحة هذه الأخبار في أنّ الكلام الواحد الصادر منهم لهم محامل تبلغ السبعين ، لا أنّ لهم أن يعدلوا عن الجواب إلى مطلب آخر ، وأنّ لهم أن يتكلّموا بسبعين كلاما ، وهذا ممّا لا يحتاج إلى البيان.
هذا ؛ ويمكن الاستدلال بهذه الأخبار أيضا على عدم كون التورية كذبا ، وإن لم يذكر فيها أنّ ما أريد منها من المحامل ليس بكذب ، وذلك لأنّ من المعلوم أنّ ظاهر الخبر الذي له محامل عديدة واحدة ، فإرادة البقيّة لا يكون إلا من قبيل التورية ، والظاهر أنّ المراد من السبعين إمكان إرادة كل واحد منها ، لا أنّ الجميع مراد فتدبّر!.
ثمّ إنّه قال بعد هذه التوجيهات : إنّا نجيب عن الأخبار المذكورة ثانيا بأنّ التمسك بأخبار الآحاد في المقام خارج عن السداد.
وذلك لأنّ المقصود إن كان إثبات الكلام النفسي بذلك من حيث إنّ كون التورية صدقا موقوف على إثباته كما بينا ، فهو غير جائز ؛ لأنّه إثبات لمسألة عقليّة علميّة (٣) بخبر الواحد ، مع أنّ بطلانه معلوم ؛ فلا بدّ من طرح الأخبار.
وإن كان المقصود إثبات كون التورية صدقا فنقول : إنّه من المسائل اللغويّة والمرجع فيها العرف واللغة ، ولا يكون الخبر الواحد فيها حجّة ، وذلك لأنّ المفروض أنّ الحكم ـ وهو جواز الكذب عند الضرورة ـ معلوم ، وإنّما الكلام في أنّ
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢ / حديث ٣.
(٢) لم نعثر على هذا اللفظ في البصائر ، بل الموجود منه : إني لأتكلم على سبعين وجها لي في كلها المخرج.
(٣) الكلمة غير واضحة ؛ ويحتمل كونها : عمليّة. إلا أنّ المناسب للمطلب وكما هو في نسخة (د) : علميّة.