يظهر ممّا حكي عن المسالك موافقة أكثرهم على وجه يصدق الاستغراق العرفي ، واختاره في الرسالة (١) ، ويظهر من الوحيد البهبهاني (٢) كفاية موافقة البعض ، وهذا هو الأقوى (٣) ؛ لأنّه الظاهر من قوله عليهالسلام «واترك ما وافق القوم» أو «خذ بما خالف العامّة» ، فإنّ الظاهر أنّ المراد موافقتهم في الجملة ؛ فلو كان أحد الخبرين موافقا لبعضهم ، وكان الباقون ساكتين يصدق أنّه موافق لهم ، ولا يضر كون لفظ القوم أو العامّة ظاهرا في الجميع من حيث هو ؛ لأنّ المنساق منهما في المقام ما ذكرنا ؛ خصوصا بملاحظة قوله في المقبولة «قلت : ـ جعلت فداك ـ فإن وافقهما الخبران ..» ، وفي المرفوعة «قلت : ربّما كانا موافقين لهم ، أو مخالفين ..» ، فإنّهما ظاهران في أنّ الراوي فهم من الموافقة الأعم من موافقة البعض والكل.
ودعوى أنّ المراد موافقة الخبرين معا لهما ؛ فلا يكون شاهدا على إرادة موافقة البعض بعيدة ، إذ الظاهر أنّ المراد أنّ كلّا منهما موافق لهم ؛ لا أنّ المجموع من حيث المجموع كذلك ، والإنصاف أنّ ظهور هذه الفقرة في كفاية البعض أقوى من ظهور الفقرة السابقة في اعتبار موافقة الكل ، فلا وجه لحملهما على صورة عدم هذا المرجح في شيء منهما ، وتساويهما من هذه الجهة على ما ذكره في الرسالة ، فعلى فرض عدم ظهور الفقرة الأولى في إرادة الموافقة في الجملة ، وظهورها في موافقة الكل لا بد من رفع اليد عنه ، بقرينة الفقرة الثانية.
هذا ؛ مضافا إلى ندرة اتفاق العامّة على مطلب ، ولو في عصر واحد ، بل ندرة اطّلاع الراوي على ذلك ؛ فضلا عن غيره ممّن يجيء بعده في الأزمنة المتأخرة ، فيلزم ندرة المورد لهذه الأخبار المتكثّرة ، هذا مع أنّه يمكن أن يتمسك لما ذكر بما في رواية ابن أسباط (٤) من قول الرضا عليهالسلام : «ائت فقيه البلد واستفته في أمرك فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه» ، مع أنّ الظاهر من قوله عليهالسلام «فإنّ الرشد في
__________________
(١) فرائد الأصول : ٤ / ١٣٤.
(٢) الفوائد الحائريّة : ٣٥٥.
(٣) في نسخة (د) : الحق الأقوى.
(٤) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٧٥.