ومن هنا يظهر ضعف ما ذكره بعض الأفاضل (١) من أنّ المراد من الشهرة الإجماع ، لقوله «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» ، قال : ولا داعي إلى حمل الإجماع على الشهرة ، وحينئذ فيكون الخبر المجمع عليه قطعي الصدور ، والخبر من الأول كان شاملا للقطعيين والظنيين ، فأرجع الإمام عليهالسلام إلى صفات الراوي ، وبعد فرض التساوي أرجع إلى الأخذ بقطعي الصدور من جهة كونه مجمعا عليه ، وبعد فرض قطعيتهما أرجع إلى موافقة الكتاب ومخالفة العامة ، وبنى على هذا عدم كون الشهرة الفتوائيّة مرجّحة ولا جابرة ، بعد ما استدلّ على كونها مرجّحة وجابرة بما مرّ من كون حذف المتعلّق مفيدا للعموم ، ومن أنّ مقتضى التعليل التعميم ، وإلا لزم اللغويّة ، فقال : إنّ ذلك كلّه مبني على كون المراد من المجمع عليه المشهور ، ومن عدم الريب عدم الريب النسبي ، وأمّا على إرادة المجمع عليه من المشهور حسبما ذكر ، ولازمه إمكان كون نفي الريب حقيقيا فلا.
[ثم] قال : نعم المرفوعة سليمة عن هذا الإشكال لعدم ذكر لفظ المجمع عليه فيها ، مع أنّه بعد ذكر الشهرة ذكر فيها صفات الراوي ، فيعلم من ذلك عدم كون المراد من الشهرة الإجماع ، فيمكن دعوى دلالتها على كون الشهرة الفتوائيّة مرجّحة إلا أنّها ضعيفة السند ، لكن لا يضرّ ذلك ؛ لأنّها منجبرة بالشهرة ، حيث إنّ المشهور على الترجيح بالشهرة الفتوائية ، وهذا كاف في جبر سندها ؛ لأنّ جبر الشهرة الفتوائيّة للخبر الضعيف بمقتضى القاعدة ، وإن لم تكن باستناد إلى ذلك الخبر ، وحينئذ فنأخذ بالمرفوعة ، ونحكم بكون الشهرة الفتوائيّة مرجّحة بالبيان السابق : من أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم.
قلت : قد عرفت أنّ مجرّد الشهرة في الرواية ـ وإن كان المراد منها الإجماع ـ لا توجب القطع بالصدور إلا إذا كانت في جميع الطبقات ، وكانت بمعنى نقل الأصحاب للرواية ، لا بالمعنى الأول الذي ذكرنا ، ويؤيد ذلك ذكر صفات الراوي في المرفوعة بعد ذكر الشهرة.
__________________
(١) الدرر النجفيّة : ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥ ، وكذا احتمله الميرزا الرشتي في خاتمة بدائعه : ٤٤٠.