شمول نواهي القياس للمقام خلاف الإنصاف ، بل الأمر بالعكس ـ كما عرفت ـ ، ثمّ إنّ مقتضى ما ذكره من انصراف النواهي إلى غير مقام الترجيح من باب معهوديّة (١) عدم دلالتها على حرمة الترجيح ، فلا وجه لدعوى أنّه جمع دلالي ، بل هو في الحقيقة بيان لعدم الدلالة من هذا الطرف ، وتماميّة دلالة أخبار الترجيح ، مع أنّه خلاف الإنصاف ، فإنّ قوله عليهالسلام «إنّ دين الله لا يصاب العقول» كالصريح في عدم الاعتناء بالقياس ، ودعوى الانصراف إلى المعهود فرع كون المعهود خصوص جعله دليلا وهو ممنوع ، إلا أن يقال : يكفي احتمال الاختصاص ، لكنّ هذه الدعوى فرع كون العموم حكميّا ؛ وهو ممنوع كما عرفت.
ثمّ إنّ ما ذكره من أنّه على فرض عدم تقديم الجمع على الترجيح نحكم بالتوقف في المسألة الأصوليّة ـ أعني مقام الاجتهاد ـ ونرجع إلى التخيير في مقام العمل بالخبرين لا وجه له ، إذ مقتضى القاعدة التخيير بين أخبار الترجيح وبين النواهي ، ولعلّ ما ذكره مبنيّ على ما اختاره سابقا من أنّ أخبار التخيير لا تشمل الخبرين القطعيين (٢) ، والمفروض في المقام قطعيّة الطرفين ، وقد عرفت التعميم سابقا (٣).
ثم لا وجه لعدم تقديم الجمع الدلالي على الرجوع إلى المرجّحات ؛ خصوصا في مفروض المقام ، الذي لا يرجع إليها ؛ لقطعيّة سند الطرفين ، فإنّه لا معدل عن الجمع بين القطعيين وإن كان أحدهما أظهر من الآخر ؛ مع أنّك قد عرفت أنّه ليس جمعا في الحقيقة ، بل مقتضى بيانه عدم دلالة النواهي ، فلا معارض لأخبار الترجيح.
ثمّ على فرض التوقف في المسألة الأصوليّة مقتضى القاعدة ـ بناء على مذهبه ـ الترجيح بالظن القياسي ، لدوران الأمر بين التخيير والتعيين ، فلا وجه للحكم بالتخيير.
__________________
(١) في نسخة (د) : المعهوديّة.
(٢) قد ذكر الشيخ أنّ مختاره ذلك في الرسالة : ٤ / ١٧ ـ ١٨.
(٣) مرّ في الصفحة : ٤٠٤ ، ٤٩٢.