قلت : قد ثبت في محلّه حجيّة المكاتبات (١) ، وعدم الفرق بين الأصول والفروع في ثبوتهما بخبر الواحد ، ولو استشكل في دلالتهما كان أولى ، فقد عرفت سابقا الإشكال فيهما ؛ خصوصا في الأولى.
ثمّ إنّه ذكر أنّ الأصل الذي يكون في مورد الخبرين مختلف بحسب الأقوال ، وذلك لأنّا لو قلنا بأنّ العبادات أسام للأعم فالأصل هو الإطلاق اللفظي ، ولو قلنا إنّها أسام للصحيحة ففي الأول الأصل عدم الشرطيّة والبراءة أو الاشتغال ؛ على اختلاف المذهبين ، من غير فرق بين كون المراد من الركعتين النافلة أو الفريضة ، وفي الثاني الأصل عدم الجزئيّة ؛ لا البراءة والاشتغال ؛ لاختصاصهما بالواجبات ، والمفروض الشك في استحباب التكبير دون وجوبه ، هذا إذا قلنا بأنّ المستحبات في الصلاة ، أجزاء مستحبة ، وأمّا إذا قلنا إنّها مستحبات مستقلة ، غاية الأمر أنّ محلها الصلاة ، فالأصل هو أصالة عدم الجعل ؛ من غير فرق بين مذهب الصحيحي والأعمي ، والقائل بالبراءة والقائل بالاشتغال في الشك في الشرطيّة والجزئية (٢) ؛ لأنّ الإطلاق جار بالنسبة إلى أجزاء الصلاة وشرائطها ، وكذا أصل عدم الشرطيّة والجزئيّة وقاعدة الاشتغال.
فظهر أنّ الأصل ـ على بعض التقادير ـ هو الإطلاق ، وعلى بعضها البراءة والاشتغال ، وعلى بعضها أصل العدم ، وحينئذ يشكل الحال بأن أصل الاحتياط والاشتغال ليس محطّا لنظرهم ، بل لا يكون من الأصول ، فكيف يكون التخيير في الخبرين في مورد جريان الأصل ، فلا يتم الاستشهاد المذكور كليّة.
قلت : لا فرق بين مذهب الصحيحي والأعمي في المقام ، بعد عدم وجود إطلاق يمكن التمسك به كما هو كذلك في المقام ، فإنّ إطلاقات الصلاة واردة في مقام
__________________
(١) المكاتبات ؛ هي الروايات التي يرويها الكاتب أو السائل من الإمام ، إلا أنّ سؤاله منه لم يكن من طريق المشافهة بل كان بالكتابة للإمام ؛ لبعد مسافة أو لتقيّة توجب عدم التمكن من الوصول إليه عليهالسلام ، ومشهور علماء الحديث والدراية جعلها متأخرة في رتبة الحجيّة عن الروايات الشفاهيّة.
(٢) المراد أنّه من غير فرق بين القائل بجريان البراءة ، والقائل بجريان الاشتغال.