وحينئذ فيكون المقرّر واردا بعد الناقل ناسخا له ، وإن كان من الأئمة عليهمالسلام فالناقل مقدّم ؛ لأنّ المقرّر لمّا كان موافقا للأصل ، كان كالمستغنى عن ذكره ؛ بحكم الأصل ، وحيث لا نسخ بعد الرسول صلىاللهعليهوآله فلا يحتمل تأخير المقرّر ، وعن الإشارات (١) : أنّه إن كانا من النبي صلىاللهعليهوآله فمع العلم بالتاريخ يتعيّن المتأخر ، ومع الجهل يتوقف مع العلم بصدورهما واحتمال النسخ باجتماع شرائطه ، ويحتمل عدم الحكم بالنسخ ؛ لندرته ، فيلحق بما يأتي ، ومع عدم العلم بصدورهما ، أو عدم احتمال النسخ ؛ فالأظهر تقديم المقرّر ، وكذا في أخبار الأئمّة عليهالسلام علم التاريخ أو لم يعلم ، لعدم احتمال النسخ.
والظاهر أنّ مرادهم من المقرّر ما وافق خصوص أصل البراءة ، أو أصل العدم ، لا مطلق الأصول ، ولذا قال في الفصول في عنوان المسألة (٢) : وأمّا الخبر الموافق لأصل البراءة ، أو أصل العدم .. إلى آخره ، ويظهر من بعض استدلالاتهم أنّ مفروض كلامهم صورة القطع بصدور الخبرين ؛ بل الأصوليون من العامّة نظرهم إلى خصوص الأخبار النبويّة ، لكن عرفت أنّ بعضهم جعل العنوان أعمّ.
ثمّ إنّ ظاهرهم أنّ تقديم أحدهما إنّما هو من جهة حصول الظن بملاحظة غلبة التأسيس .. ونحوه ممّا ذكروه ، فلا دخل لكلامهم بالعنوان الذي ذكرنا أولا ؛ من أنّ الأصل ـ بما هو حكم تعبّدي ظاهري ـ هل يكون مرجّحا أم لا؟ ومن ذلك يندفع الإشكال في أنّ المشهور على تقديم الموافق للأصل كما يظهر بملاحظة عملهم في الفقه ، مع أنّ تقديم الناقل منسوب إلى الأكثر ؛ وذلك لأنّ المراد من هذا الأكثر الأصوليون المتقدمون الذين أكثرهم العامّة ، والتقديم إنّما هو من جهة ما ذكروه من الظن الحاصل بملاحظة أولويّة التأسيس ، بالبيان الذي ذكروه ، وأمّا علماؤنا فنظرهم إلى كون أحد الخبرين معتضدا بحكم ظاهري كائنا ما كان ، وإن كان نظر جملة منهم أيضا إلى جعل الأصل من باب الظن.
__________________
(١) إشارات الأصول للفاضل الدربندي ؛ وقد حكى قوله هذا الميرزا الرشتي في بدائعه ، وهي قريبة جدا من عبارة المحقق في المعارج.
(٢) الفصول الغرويّة : ٤٢٩.