تعبد آخر ، وهو الحكم بصدورهما فعلا ، والمفروض أنّه لا معنى له مع وجوب ترك العمل من جهة الحمل على التقيّة ؛ فتأمّل!
ثمّ أقول من رأس : إنّ الحمل على التقيّة إذا سلّمنا أنّه متفرع على الصدور فلا يحتاج إلا إلى صدور الخبر المحمول عليها دون الآخر ، إذ هو مقتضى قوله عليهالسلام «ما سمعت منّي .. إلى آخره» ، ومقتضى المرجّح الصدوري الحكم بعدم صدور خبر العادل ، والمحمول على التقيّة هو خبر الأعدل ؛ لأنّه الموافق للعامّة بالفرض (١) ، ولم يحكم بعدم صدوره ، بل حكم بصدوره ، ومن هنا يبطل ما ذكر من تقرير الحكومة ، بل يمكن أن يقال لا تعارض بين المرجّحين ، بل يمكن الأخذ بهما معا ، فبمقتضى المرجّح الصدوري يحكم بصدور الأعدل ، وبمقتضى قوله عليهالسلام «ما سمعت مني ..» يحمل على التقيّة ، ولذا قد يقال : إنّ الحمل على التقيّة ـ في الحقيقة ـ من الجمع بين الخبرين ، إذ يؤخذ بظاهر أحدهما ويحمل الآخر على أنّه ليس لبيان حكم الله ، ولم يرد منه ظاهره ، بل أريد معناه التأويلي ـ بناء على وجوب التورية في مقام التقيّة ـ فتأمّل!.
إلا أن يقال : إنّ المستفاد من دليل الترجيح باحتمال التقيّة أنّه في مورد يكون الخبران معا صادرين ، فهو معلّق على صدور كلا الخبرين ، ومقتضى المرجّح الصدوري عدم صدورهما (٢) ، بل الأعدل فقط ، فهو يرفع موضوع الحمل على التقيّة ، وهو صورة صدور الخبرين معا ، وحينئذ فالجواب ما عرفت من كفاية المقتضي للحكم بالصدور ، وهو جامعيّتهما لشرائط الحجيّة في حد نفسهما ، ولا يحتاج إلى الحكم بالصدور فعلا ؛ فتدبّر!
والتحقيق أنّ المرجّح الجهتي والصدوري في عرض واحد من حيث المرتبة ، وأنّ المدار على أقوائيّة أحدهما ، ويختلف باختلاف المقامات ، ولا يبعد القول بكون الجهتي أقوى من حيث نوعه ، فيما بأيدينا من الأخبار ، من حيث تنقيح الأخبار عن الأخبار المكذوبة ، وغلبة التقيّة في الأخبار.
__________________
(١) في نسخة (د) : بالعرض.
(٢) جاءت العبارة في نسخة (د) هكذا : عدم صدورهما معا.