ومن الغريب ما ذكره من تقديم المرجّح الجهتي على المرجّح الدلالي أيضا ، حيث قال ـ على ما حكي عنه ـ : وإذا تعارض الدلالي مع الحمل على التقيّة فمقتضى السببيّة والمسببية ؛ وإن كان تقديم الدلالي ، حيث إن الشك في التخصيص مثلا إذا كان الخاص موافقا للعامّة ناش عن الشك في التقيّة ، والأصل عدمها ، فيثبت التخصيص ؛ إلا أنّ مقتضى قوله عليهالسلام «ما سمعت منّي .. إلى آخره» العكس ، قال : ولذا عدلنا عمّا ذكرنا من الطعن على الشيخ وسيّد الرياض ، حيث قدّما الحمل على التقيّة على المرجح الدلالي.
قلت : يا ليته لم يعدل عن ذلك ؛ إذ لا وجه للأخذ بعموم قوله عليهالسلام «ما سمعت ..» في قبال المرجّح الدلالي ؛ خصوصا مثل التقييد والتخصيص ، ونحوهما ممّا هو خارج عن التعارض حقيقة ، ومن المعلوم أنّ قوله عليهالسلام «ما سمعت ..» مختصّ بصورة معارضة الخبرين الغير الصادقة على المفروض ، ولقد وقع هذا العموم في نفسه ؛ أي وقع حيث قدّمه على جميع المرجّحات ، ولم يكتف بذلك حتى قدمه على مثل التخصيص والتقييد ، مع أنّهما خارجان عن التعارض عرفا ، ولذا لا يلاحظ معهما الرجوع إلى المرجّحات ، ولعلّ نظره إلى كونه مرجّحا تعبديّا ، فيقدم على غيره ممّا يكون معتبرا من باب الأقوائيّة ، مع أنّ هذا ممنوع ؛ بل هو أيضا من باب غلبة التقيّة في أخبارهم حسبما عرفت سابقا من أنّ (١) الرجوع إلى الأقوى أيضا تعبدي ، وكونه من جهة تقوية الخبر لا يخرجه عن التعبديّة ، (كما أنّ خبر العادل حجّة من باب الطريقيّة ، والظن النوعي لا يخرجه عن التعبديّة) (٢) ـ حسبما عرفت مرارا ـ مع أنّ مثل هذا الإطلاق موجود بالنسبة إلى المرجّحات الدلاليّة ؛ مثل قوله عليهالسلام «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ..» (٣) ، وقوله (عليهالسلام) «إنّ في أخبارنا محكما ومتشابها ؛ فردّوا متشابهها إلى محكمها» (٤).
__________________
(١) في نسخة (د) : مه أنّ الرجوع ، ويحتمل فيها : مع أنّ الرجوع.
(٢) ما بين القوسين لم يرد في نسخة (د).
(٣) معاني الأخبار : ١ / ١ ، عنه : وسائل الشيعة : ٢٧ / الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٧.
(٤) عيون أخبار الرضا : ١ / ٢٩٠ ، الوسائل : ٢٧ / باب ٩ أبواب صفات القاضي ، حديث ٢٢.