فنقول : قد عرفت سابقا أنّ الحكومة قد تكون بالتخصيص ، وقد تكون بالتقييد ، وقد تكون بغيرهما من أنحاء التصرفات ، ومن قال إنّها تخصيص في المعنى بلسان التفسير ، أراد القسم الأول ، وإلا فلا وجه لإطلاقه ، وحينئذ فينبغي بيان الفرق بينها وبينها ، وحاصله أنّها وإن كانت أحد المذكورات في المعنى إلا أنّ تصرفها في الدليل الآخر بمقتضى مدلول اللفظ ، بخلاف سائر (١) المذكورات ، فإنّ قرينتها إنّما هي بحكم العقل ، فالتقديم في الحكومة بمقتضى دلالة اللفظ ، حيث إنّ الحاكم ناظر وشارح بخلافه فيها ، فإنّه من باب ترجيح أحد الدليلين بحكم العقل ، من جهة نصوصيّته ، أو أظهريّته.
وقد فرّع (٢) المحقق الأنصاري قدسسره على هذا أنّه يقدّم الحاكم على المحكوم ، ولو كان الحاكم من أضعف الظنون ، ولا يقدم المحكوم عليه بمجرد الأقوائيّة ، بل يحتاج إلى قرينة أخرى غير المحكوم ، بخلاف التخصيص ، فإنّ المدار فيه على الأقوائية ، فإذا فرضنا أقوائية دلالة العام من الخاص يقدم عليه ، لأنّ كلا منهما صالح لصرف الآخر عن ظاهره ، فيكون المدار على الترجيح بحسب القوّة ، وأمّا في الحاكم والمحكوم فلا يصلح المحكوم أن يكون قرينة على صرف الظاهر (٣) عن ظاهره ، من حيث إن لسانه ناظر إليه ، فيحتاج إلى قرينة أخرى ، ففي صورة نصوصيّة الخاص لا ثمرة بينهما ، وإنّما تظهر الثمرة في الظاهرين حسبما عرفت.
وحاصل مراده أنّ للحاكم لحاظين : لحاظ دلالته على مدلوله ، ولحاظ نظره إلى المحكوم ، وليس للمحكوم إلّا الأول ، فغاية ما يكون له معارضته مع الحاكم في لحاظ أصل المدلول ، وقابليّة كلّ منهما لصرف الآخر ، وأمّا في لحاظ نظره فلا يكفي المحكوم في صرفه بل يحتاج إلى قرينة أخرى تسقطه عن النظر ، والأصل عدم هذه القرينة ، فالحاكم والمحكوم مع قطع النظر عن النظر حالهما حال العام والخاص في أنّ كلّا منهما قابل للتصرف في الآخر ، وأمّا مع ملاحظته فلا يمكن تصرف المحكوم
__________________
(١) كلمة «سائر» لا توجد في نسخة (ب).
(٢) فرائد الأصول : ٤ / ١٥ و ١٧.
(٣) في نسخة (ب) : الحاكم.