لظاهر الحاكم ولا بدّ من رفع (١) اليد عنه به ، مثلا يقتضي (٢) قوله «المشكوك حلال» حليّة التتن ، ومقتضى خبر الواحد بحرمته حرمته ، وهذا تعارض بينهما.
وكذا مقتضى قوله «توضأ» وجوب الوضوء الحرجي ومقتضى «لا حرج» عدمه فيكونان متعارضين ، إلا أنّا نقول إنّ لسان الحاكم لما كان لسان الشرح والتصرف في المحكوم لا يعدّ معارضا ومنافيا له عرفا في المحكومات التي لسانها لسان تنزيل موضوع الدليل المحكوم منزلة العدم ، فلأنّ الحاكم كأنّه يدل على تقرير لسان المحكوم في حكمه ، وأنّ حكمه حق إلا أنّ هذا الموضوع خارج عنه ، مثلا إذا كان موضوع الأصل المشكوك بوصف أنّه مشكوك ، فقول الشارع بوجوب تصديق العادل المخبر بأنّ الواقع كذا لا يعدّ منافيا له ، إذ كأنّه يقول سلّمنا أنّ المشكوك حلال لكنّ هذا ليس منه ، ومن المعلوم أنّ هذا اللسان ليس لسان المنافاة ، فهو نظير ما إذا تعارضت البينتان إحداهما أنّ المال كان في يد زيد والأخرى على أنّ يده (٣) بعنوان الغصب ، فإنّها كأنّها تصدق الأخرى فيما ادعته ، لكنّها تبين وجه اليد ، ففي المقام أيضا الحاكم لا يعارض المحكوم في مقتضاه ، لكنّه (٤) يبيّن أنّ هذا الموضوع ليس داخلا تحته ، ولذا لا يعدّ الحاكم والمحكوم المتوافقان في المفاد كالأصل الموضوعي والحكمي من المتعاضدين ، بل نقول إنّ الأصل الحكمي لا يجري مع وجود الموضوعي.
وأمّا في الحكومات التي لسانها لسان رفع الحكم عن موضوع الدليل المحكوم لا رفع نفس الموضوع كما في «لا حرج ..» و «لا ضرر ..» و «لا شكّ في النافلة ..» و «لا تعاد ..» ونحو ذلك ؛ فلأنّ الحاكم يبيّن مقدار مدلول المحكوم فيرفع الحكم عن موضوعه بلسان البيان لا بلسان المنافاة ، والمبيّن لا يعد معارضا ومنافيا للمبيّن ، وبعبارة أخرى لسان الحاكم لسان الصلح لا الخصومة ، ولذا لا يحتاج في تقديمه إلى واسطة من عقل أو غيره بخلاف التخصيص ، فإنّ الخاص لا يبيّن العام بلفظه بل
__________________
(١) في نسخة (ب) : ولا بدّ لرفع ...
(٢) في نسخة (ب) : بمقتضى.
(٣) في نسخة (ب) : يده عليه.
(٤) في نسخة (ب) : ولكنّه.