العمل بها على وجه الطريقيّة والمرآتيّة فإن أصابت الواقع فيها ، وإلا فلا يحدث بسببها شيء ، فلا إشكال ، إذ على هذا يكون حاصل الترخيص بالعمل بأصالة البراءة مثلا أنّه إذا كان الشيء مجهولا فيجوز تركه أو فعله ، وإن كان في الواقع حراما أو واجبا ، والمكلّف معذور في الترك أو الفعل.
وكذا مؤدى استصحاب الوجوب أو الحرمة أنّه يجب عليك الإتيان به لاحتمال كونه واقعا ، فإن صادف فهو ؛ وإلا فلا وجوب ولا حرمة ، فيكون مفادهما بتخير (١) التكليف الواقعي المجهول على فرض تحققه.
وبالجملة : فحال الأصول حال ما إذا اعتقد المكلّف بعدم التكليف أو بثبوته وكان جهلا مركّبا ، وتظهر الثمرة بين كونها أحكاما أو أعذارا في صورة المخالفة لها إذا لم يخالف عمله الواقع ، فإنّه لا يعاقب بناء على كونها أعذارا ويعاقب (٢) على كونها أحكاما ، وهذا الترخيص الظاهري أو الإيجاب والتحريم الظاهريّان بناء على العذريّة نظير ترخيص الصبي والصائم لا يعدّ حكما شرعيّا ، ونظير الجزم بالتكليف مع كونه جهلا مركبا ، فإنّه إيجاب أو تحريم خيالي لا حقيقي ، وأيضا إنّما يتوقّف على ما هو التحقيق من القول بكون الأحكام الواقعيّة أحكاما مطلقة لا من قبيل الواجب المشروط حسبما يقول صاحب الفصول ، إذ بناء عليه أيضا لا إشكال إذ لازمه عدم الحكم عند عدم الشرط ، وهو العلم بالواقع.
هذا ويمكن دفع الإشكال بوجوه :
أحدها : دعوى تعدد الموضوع ؛ ومن المعلوم أنّ وحدته من شرائط التناقض ، فموضوع الأصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم ، وموضوع الحكم الواقعي (٣) ذات الفعل ، وهذا هو الظاهر من المحقق الأنصاري قدسسره في أوّل أصل البراءة (٤) ، ويظهر من كلامه في مقامات أخر أيضا.
وفيه : ما عرفت من أنّ الفعل الخارجي الواحد متّصف بالعنوانين فيلزم اجتماع
__________________
(١) في نسخة ب : تخيير.
(٢) في النسخة (ب) : ويعاقب على تقدير ...
(٣) في نسخة (ب) : الواقعي المجهول ...
(٤) فرائد الأصول : ٢ / ١١ ـ ١٢.