قلت : يمكن منع ذلك أيضا بالبيان المذكور ، فإنّ معنى صدّق العادل ليس إلا الحكم بصدقه وترتيب آثار الواقع على مؤداه لا إلغاء الشك ، إذ معنى إلغاء احتمال الخلاف الأخذ بالطرف المخبر به من الاحتمالين وطرح الطرف الآخر ؛ لا طرح الشك.
وبعبارة أخرى : الاحتمال له طرفان ؛ مثلا : إذا شكّ في حرمة شيء وحليّته فيحتمل الحليّة ويحتمل الحرمة ، وإذا أخبر مخبر بالحرمة فقد عيّن هذا الطرف والشارع أمر بالأخذ به وطرح الطرف الآخر ، بمعنى ترتيب (١) آثار الحليّة ولم يأمر بطرح الشك وجعله كالعدم حتى يستلزم ما ذكر من عدم إجراء الآثار المعلّقة عليه ، فمعنى صدّق العادل حينئذ ليس إلا الحكم بالحرمة ، فكأنّه قال الشارع ابتداء الشيء الفلاني حرام ، فلا نظر فيه إلى نفي أحكام الشك.
فإن قلت : معنى إلغاء الاحتمال أزيد ممّا ذكرت ، إذ كما يقتضي عدم الحكم بالطرف المقابل يقتضي عدم البقاء على الشك أيضا ، حيث إنّه مناف للتصديق ، فهو دال على نفي آثار (٢) الشك والاحتمال.
قلت : لو سلّمنا ذلك نقول : إنّ لازمه النظر القهري أو القصدي إلى الآثار العقليّة المعلّقة على الشك لا الآثار الشرعيّة ، فكأنه قال لا ترتب آثار الخلاف ولا تتوقف أيضا مثلا : إذا شك في شيء فمع عدم جعل الطريق يتحير ويرجع إلى حكم العقل ، ففي بعض المقامات يحكم بالاحتياط وفي بعضها يحكم بالبراءة ، وفي بعضها بالتخيير ، كلّ في محله ، فإذا جعل طريقا فكأنّه يقول لا تشك في أنّ الواقع كذا فلا ترتب أثر الخلاف ولا تتوقف حتى ترجع إلى حكم العقل ، فالإلغاء الذي هو لازم جعل الطريق إنّما هو بالنسبة إلى موضوع الحكم العقلي لا الشك الذي هو موضوع للحكم التعبدي الشرعي.
لا أقول : لا يمكن أن يكون ناظرا إليه ؛ بل أقول لا يكون هذا لازما لقوله اعمل بكذا وصدّق المخبر أو نحو ذلك.
__________________
(١) في النسخة (ب) : عدم ترتيب.
(٢) بعدها في النسخة (ب) : خلاف المخبر به وعلى نفي آثار ...