أي وحين مالوا عن الطريق المستقيم وانصرفوا عن الحق خلّاهم سبحانه وسوء اختيارهم وحجب عنهم ألطافه فمالت قلوبهم إلى الضلال وانحرفت عن الايمان ، لأنه تبارك وتعالى لا يجوز أن يصرف أحدا عن الإيمان ولكن إذا انصرف وأصرّ يخلّي بينه وبين هوى نفسه (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يرشدهم إلى ما فيه الأجر والثواب الموصل إلى الجنّة ولا يفعل بهم ما يفعله بالمؤمنين لأنهم اختاروا طريق الضلال وفضّلوا ظلم أنفسهم وظلم غيرهم. ثم اذكر يا محمد (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) كما قال لهم موسى عليهالسلام ، وزادهم بأنني جئت (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) أي لم أنسخ أحكامها وهي كتاب موسى من قبلي (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) يعني وناقلا لكم البشارة بنبيّ يظهر من بعد زمني سمّاه الله تعالى أحمد ـ أي من أحمد الناس لله جلّ وعلا ، وهو محمود بأخلاقه وكريم صفاته ـ وفي الآية معجزة عظيمة لعيسى عليهالسلام إذ بشّر قومه بمحمد صلىاللهعليهوآله قبل مجيئه بمئات ومئات السنين وأخبر بنبوّته وأمر من يدركه بطاعته والإيمان به (فَلَمَّا جاءَهُمْ) محمد (ص) ، (بِالْبَيِّناتِ) بالمعجزات والدلائل الظاهرة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) قالوا عن معجزاته إنها سحر ظاهر.
٧ إلى ٩ ـ (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ...) أي ليس أشد ظلما من الذي يختلق الكذب عليه سبحانه ويسمّي معجزاته سحرا ويكذّب رسوله (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) أي ينتدب لما فيه خلاصه من العذاب ونجاته في الآخرة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وهم الكفّار والمنافقون المحاربون لله الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) أي يريدون الوقوف بوجه الايمان الذي هو نوره يقذفونه في قلوب المؤمنين وإطفاؤه يكون بتمادي الكفر الشبيه بظلام القلوب ، وهذا كمن يحاول إطفاء نور الشمس بفمه (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) أي مكمل لدينه ومظهر لأمر نبيّه ومعل لكلمته (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) رغم كرههم لذلك ومعارضتهم له (هُوَ