(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) أي إليه مرجع جميع المخلوقات بما في ذلك هذا الطاغية الذي غرّته أمواله وأولاده وحياته الدنيا ، والله قادر على إهلاكه كغيره من الناس وسيجازيه إذا رجع إليه ، وقد خاطب سبحانه النبيّ صلىاللهعليهوآله بذلك ليطيّب نفسه لكثرة ما رأى من أذى هذا العدوّ الضالّ ، وقال : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) معناه : ألا ترى هذا الكافر الذي ينهاك عن صلاتك ويعاديك من أجل دعوتك الناس إلى توحيد ربّك وعبادته؟ انتظر ما سنفعله به لأنه ينهاك عن الصّلاة ويقف في وجهك ليعطّل مسيرة أداء رسالتك.
ففي الأخبار أن أبا جهل قاتله الله قال للناس : هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم ، قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنّ على رقبته. فقيل له : ها هو ذاك يصلّي. فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلّا وهو ينكص على عقبيه ويتّقي بيديه؟ .. فقالوا : مالك يا أبا الحكم؟ ... قال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ... وقال نبيّ الله : والذي نفسي بيده لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضوا عضوا ... وهكذا رجع خاسئا مخزيّا ، وأنزل الله تبارك وتعالى : أرأيت يا محمد ما ذا يصيب من يريد أن ينهاك عن صلاتك وما ذا يكون جزاؤه ، وما الذي يستحقه من العذاب؟ وهذا كله محذوف يدلّ عليه القول ولسان الحال. وقد كرر استفهامه التقريريّ بقوله عزّ من قائل : (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) أي إذا كان العبد المصلّي على هدى ونهي عن صلاته (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى) أي أمر الآخرين بتقوى الله ومخافته ولزوم طاعته. وهنا يوجد حذف آخر هو : ألا ترى إلى العبد المهتدي المنهيّ عن الصلاة الذي يأمر الناس بالتقوى كيف تكون حال من يمنعه عن ذلك؟. (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) هذا الضالّ الكافر أبو جهل (وَتَوَلَّى) الصرف عن تصديقك وعن الإيمان وأعرض عن دعوتك ولم يسمع لكلامك (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) فهل غفل عن أن الله تعالى يراه ويرى ما يصنعه معك ولا تخفى