عطشهم فيها ، وقيل لا يتذوّقون فيها برد النوم ولا شراب ماء ينفع من العطش ، إذ يقال عن النوم : البرد ، كما في قول الكندي :
بردت مراشفها عليّ فصدّني |
|
عنها وعن قبلاتها البرد |
فلا يذوقون فيها النوم إذا ولا الماء (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) سوى الماء الحارّ ، والغسّاق الذي هو صديد أهل النار ، ليكون (جَزاءً وِفاقاً) أي عقابا موافقا لكفرهم وشركهم فإنه ليس بعد الكفر ذنب ، وليس أعظم من ذنب الشّرك أيضا ، وليس أعظم من هذا العذاب بالنار ، فجزاؤهم موافق لعملهم (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) فهم لم يكونوا يتوقعون بعثا ولا محاسبة على كفرهم وشركهم ، وكانوا ينكرون المجازاة على السيئات ولا يظنّون ان ذلك واقع بهم (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) أي أنكروا ما جاءهم به رسلنا من البيّنات ، وقيل : يعني كذّبوا بالقرآن تكذيبا ولم يصدقوه (وَكُلَّ شَيْءٍ) من أعمالهم وأعمال سائر المخلوقات (أَحْصَيْناهُ كِتاباً) أي أحصيناه في اللوح المحفوظ ، وقيل : وأحصينا كلّ شيء من أعمالهم وحفظناه لنعاقبهم عليه ، وذلك ما كتبه الحفظة عليهم بدليل قوله سبحانه : كتابا ، أي كتابة ، واللفظة حال هي تعني أن الإحصاء وقع بالكتابة (فَذُوقُوا) أي فيقال لأولئك الكفرة : ذوقوا العذاب الذي أنتم فيه (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) معه وبعده (إِلَّا عَذاباً) يزاد عليه كيلا ترتاحوا من ألم العذاب.
* * *
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً