نزل عليه جبرائيل عليهالسلام بالوحي يقرأه مخافة أن ينساه ، فكان لا يفرغ جبرائيل عليهالسلام من آخر الوحي حتى يتكلّم هو بأوّله. فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعد ذلك شيئا. وهذا مثل قوله سبحانه : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ). فنحن سنقرئك إيّاه فلا تنساه بمشيئتنا (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) سوى ما أراد الله تعالى أن ينسيك ، إيّاه بالنّسخ أو برفع حكمه. وقال الفرّاء : لم يشأ الله أن ينسى عليهالسلام شيئا ، فهو كقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) ، ولا يشاء. وفي المجمع أن في الآية بيانا لفضيلة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وإخبارا أنه ـ مع كونه أمّيّا ـ كان يحفظ القرآن ، وأن جبرائيل عليهالسلام كان يقرأ عليه سورة طويلة فيحفظها بمرة واحدة ثم لا ينساها ، وهذه دلالة على الإعجاز الدالّ على نبوّته (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) أي أن الله تبارك وتعالى يعلم العلن والسرّ. والجهر هو رفع الصوت ، وما يخفى : ما هو مستور. فالله تعالى يعلم ما نخفيه وما نبديه ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولا تفوت علمه (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) أي نسهّل لك عمل الخير ، فاليسر هو ضد العسر ، أي التسهيل ، واليسرى هي على صيغة (الفعلى) من اليسر : أي السهولة ، فنحن سنوفّقك يا محمد للشريعة السهلة السمحة ، وهي الحنيفية الشريفة ، ونهوّن عليك حفظ الوحي ونؤيّدك بألطافنا لتثبت على أمرك ، ثم نسهّل لك أداء الرسالة والصبر على الصعاب في سبيلها ، وهذا وعد له بالنّصر وتسهيل الصعب ولذلك أمره بقوله : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) أي ذكّر الناس وعظهم فإن تذكيرك لهم نافع في جعلهم مؤمنين ، وفي امتناعهم عن الشّرك والمعاصي أو امتناع بعضهم ممّن هدى الله فإنما أنت للإنذار والإعذار فذكّر نفعت ذكراك أم لم تنفع ، وقد أشار سبحانه إلى حالتي النفع وعدمه بقوله تعالى : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) يعني أنه سيتّعظ وينتفع من يخاف عقاب الله تعالى (وَيَتَجَنَّبُهَا) ينصرف عن الذكرى وينحرف (الْأَشْقَى) أي الأكثر